صحيفة الكترونية اردنية شاملة

رمضان وحماية المستهلك 

في روحانيات رمضان الكثير من العبادة والتسامح والالتزام. الصيام بمفهومه الشامل لا يقتصر على ترك الطعام والشراب، وإنما يتعداه إلى ترك كافة المعاصي والذنوب، وإلى الفضيلة والسمو بمفهوم العمل الذي يؤدي بالفرد نحو إسعاد الناس عبر تقديم أفضل الخدمات لهم وعدم خداعهم أو غشهم في أي سلعة أو خدمة. رمضان شهر التدريب على العمل بإخلاص ومودة وخُلُق وقِيَم، وشحذ الهمم نحو تحقيق نتائج يرضى عنها الله، ويرضى عنها رسوله، ويرضى عنها جمهور الناس. المشكلة أننا تعودنا في كل رمضان، وعلى مدى ما تسعفني الذاكرة، أن تكون تباشير بدايات رمضان بتأكيد الجهات الحكومة، على توافر المواد الغذائية، إيحاءً بأنه شهر الطعام والشراب، وبتأكيد تلك الجهات على الرقابة الحازمة على الأسواق، وكأنه الشهر الذي تكثر فيه عمليات الغش، والاستغلال. 

ومع الأسف الشديد، فإنَّ كثيراً ممّا سبق يحدث بشكل واضح في رمضان من كل عام، فتجد الكثير من حالات الاستهلاك الجشع، وتجد التجني على المستهلك، والاستغلال والغش في الكثير من الحالات، ومحاولة البعض تصريف العديد من المنتجات غير الصحية، وغير الصالحة، بل والمغشوشة أحياناً. 

وقد وصل الأمر الى الغش في الدواء أحياناً. كلما أهلَّ علينا شهر الخير، وشهر العبادة والمودة، والمحبة والتسامح والعطاء، تذكَّرت أهمية قانون حماية المستهلك، وأهمية وضعه موضع التطبيق الفعَّال، بحيث يحمي المستهلك من الجشع، ويحمي المنتج، والصانع، والتاجر النظيف، من المتطفلين على السوق. 

قانون حماية المستهلك، في الأردن، خرج إلى العيان بعد عدة سنوات من المُطالَبَة الملكية به، وبعد تعاقب عدة حكومات، بيد أنه ما زال غير مُفَعَّل من حيث الأنظمة والتعليمات. 

وزارة الصناعة والتجارة، معنية تماماً بتفعيل ذلك القانون، وهو أمرٌ بات من السهولة بمكان اليوم، ذلك أنَّ العديد من دول العالم لديها قوانين ناظمة، ومُؤثِّرة في مجال حماية المستهلك. حماية المستهلك تقوم على الحقوق الثمانية التي نصَّ عليها ميثاق حماية المستهلك عالمياً، وهي حق الأمان من الغش والتلاعب، وحق المعرفة بكافة مكونات ما يستهلكه، بما في ذلك فترات الإنتاج والانتهاء، وحق الاختيار دون احتكار للمنتجات والخدمات، وحق تقديم التغذية الراجعة وإعطاء الرأي، وحق توافر السلع والخدمات التي يحتاجها، وحق التعويض عن أي ضرر يمسُّه من استهلاك أي سلعة أو خدمة، وحق العيش في بيئة أمنة صحية مستدامة، وحق التثقيف بكل مستجدات تتعلّق بالسلع والخدمات التي يستهلكها. نحن في أمسِّ الحاجة إلى تنشيط قانون حماية وفق أفضل الممارسات، فحماية المستهلك ممارسة بدأت منذ العام 1962 بطلب من الرئيس الأمريكي جون كنيدي أمام الكونجرس، وتطوّر ذلك الأمر بشكل نوعي إلى أن وصل اليوم إلى تطبيقات ذكية سهلة يمكن للمستهلك اللجوء إليها والحصول على حقوقه الثمانية كاملة من خلالها. لا نحتاج إلى اختراع العجلة في قضية حماية المستهلك، فيمكننا أن نتعلّم من أفضل ما توصّل إليه العالم بعد نحو 78 عاماً من تطبيقات عملية نافذة حول العالم، ولعلَّ تجربة دولة الإمارات هي الأقرب إلينا، والأكثر تطوُّراً في المنطقة، وهي تتماهى مع أفضل التطبيقات العالمية. فدولة الإمارات لديها قانون فاعل منذ العام 2006، وهي من الدول التي وصلت إلى العالمية في مجال حماية المستهلك وباتت عضواً في الشبكة الدولية لحماية المستهلك التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها.

وفي الختام، ونحن بين يدي هذا الشهر الفضيل، فإنَّ الدعوة ما زالت قائمة بأنَّ الصيام ليس فقط بالامتناع عن الأكل والشراب نهاراً، وإنما الصيام هو منظومة قيم وأخلاقيات فُضلى متوازنة، ومتكاملة وكريمة، يتمرَّن عليها المرءُ خلال الشهر الفضيل ليطبّقها بشكل دائم على نفسه وعلى معاملاته وعلى جميع من حوله طوال العام، ليعود فيتمرَّن عليها مرة أخرى في كلِّ رمضان، ويتقوت بفضائلها طوال الشهر الكريم، ويعكسها مرة أخرى خلال الأشهر الباقية من العام، وهكذا دواليك. وقد أعجبني تفسير أحدهم لمقولة الرسول صلى الله عليه وسلم في معنى الحديث أنَّ “الصيام جُنَّة” حيث فسّرها بأنَّ الصيام “هو أعظم مدرسة تربوية تزكي النفس وتطهّر القلب وتقوّم السلوك وتنمّي الفضائل وتنقّي الرذائل”، وعلينا أن نفهم الصيام في معاملاتنا التجارية والحياتية على أنه كذلك. رمضان كريم،،

الدكتور خالد واصف الوزني

التعليقات مغلقة.