صحيفة الكترونية اردنية شاملة

خيارات الرزاز بَعدَ التَعديل

المشكلة ليست في أسماء الوزارات والمؤسسات، المشكلة هي في استعادة الثِقة بين الحكومة والمواطنين، وهذا لا يكون باستبدال الأشخاص أو التسميات في المناصب بقدر ما يكون ممثلا في إجراءات وخطط وبرامح يلمسها المواطن شخصيّاً

لم يَعدَ أمام حكومة الرزاز الكثير من الخيارات بَعدَ التَعديل الثالث على وزارته في أقل من عام “رقم قياسيّ بالتَعديل”، والخيارات المقصود بها هي في كيفيّة تعاطيه معاً بشأن الداخليّ ومواجهة المُتعطلين عن العمل.

واضح أن التعديل الأخير هو تعديل شَكليّ أكثر منه حاجة مُلحة لِمُتطلبات الوضع، بدليل أن غالبية وزراء التأزيم في حكومته لم يمسسهم أيّ تعديل، وهو بهذا يؤكد ما يصفه البعض بوزراء التأزيم مع الشّارع ليسوا بهذه الصِفة في مجلس الوزراء أو حتى في علاقاتهم ببعضهم البعض أو علاقاتهم بالرئيس، وبالتالي مفهوم التأزيم مُختلف ما بين الحكومة والشّارع وهو ما يتطلب من الرزاز شخصيّاً قيادة حوار لتقريب وجهات النظر مع الشّارع حول عدد من النقاط الخلافيّة، وتبيان أوجه الصواب والخطأ في هيكل العلاقة بينهما، لأن الرئيس هو وحده من يتحمّل خيارات التعديل دون أيّ تدخلات من أي جهات كما كان يحدث سابقا، فقدرته على اتخاذ القرارات باتت أكثر مرونة واستقلاليّة من ذي قبل.

وزارة الرزاز وفي حال بقائها حتى نهاية عمر مجلس النواب في شهر أيار المقبل يعني ذلك أن مشوارها سيكون مليء بالتحديات أهمها ما يلي:

أولاً: إعادة ترتيب البيت الداخليّ، وتوفير مظلة حوار مع فعاليات المُجتمع المُختلفة خاصة صفوف المتعطلين عن العمل وغيرهم من مُطالبيّ الإصلاحات المُختلفة، واحتوائهم إما ببرامج عمل حقيقيّة تُلبي جزءاً كبيراً من مُتطلباتهم، أو من خلال تشجيعهم في الانخراط بالأحزان الموجودة حالياً على أرض الواقع، وهذا لا يتم بالشكل الإداريّ والحواريّ الراهن من قبل الحكومة، بل يحتاج إلى مشروع مُتكامل لصهر المجتمع في الحياة العامة وشؤون البلاد من خلال الأحزاب والمؤسسات ذات العلاقة بدلاً من تشجيع “تفريخ مؤسسات التمويل” المدعومة خارجيّاً تحت مظلة دعم المجتمعات المحليّة وغيرها من المسميات التي من خلالها دخل في الأردن للعمل منظمات تعمل بالظل.

ثانيا: بإلغاء وزارة الاستثمار والمنصب الذي استحدثته حكومة الملقي، يكون الرزاز قد أعاد العمليّة الاستثماريّة إلى إطارها التقليديّ في هيئة الاستثمار التي هي الآن بلا رئيس، وكما قال رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب الدكتور خير أبوصعيليك في تغريدته الأخيرة انه” لا يمكن النظر إلى هيئة الاستثمار على أنها ترف”، وهذا الكلام صحيح للغاية ومهم لأن عدم وجود برنامج للنهوض بالعمليّة الاستثماريّة بشكل أكبر تحديّ لحكومة الرزاز وقدرتها على جذب المستثمرين، ناهيكَ من أن المرحلة الراهنة تتطلب تعاملاً غير تقليديّ  مع مُعطيات البيئة الاستثماريّة خاصة المحليّة منها قبل الخارجيّة، فالمستثمرون المحليون يعانون اليوم من حزمة كبيرة من العقبات والبيروقراطيات الإداريّة ليست في الصف الأول في الحكومة، وإنما بالمستويات الإداريّة الدُنْيا في القطاع العام والذي أصبح جهازاً معطلا للكثير من الأعمال ومثبطا للإنجاز.

ثالثا: وزارة الرزاز التي شاركت في مؤتمر لندن الأخير مُطالبة اليوم وخاصة في هذه المرحلة بإطلاق حزمة المشاريع الكبرى وفق منظومة الشراكة بين القطاعين، فلغاية الآن لم تُشهر هذه الحكومة أيّة مشاريع من هذا القبيل وبقيت أجندتها عِبارة عن خطاب إعلاميّ لا أكثر، لكن ما نحتاج اليوم هو إشهار حقيقيّ ضمن برامج زمنيّة مُحددة يطلع عليها المواطنون ويعرفون جيدا مسار التنفيذ والانتهاء منها،

رابعاً: تنميّة المُحافظات وربطها بالنقطة السابقة المتعلقة بالمشاريع الكبرى، وتأسيس شراكة مُجتمعيّة حقيقيّة مُعتمدة على الإنتاج والعمل والانخراط في بيئة الأعمال، وترك النهج الرعويّ السابق الممتد لحكومات سابقة اعتمدت نظام التعطيل وتهميش دولة القانون وعدم حماية المستثمرين من سلوكيات أساءت لبيئة الأعمال المحليّة وضربت جهود جذب المستثمرين إلى المملكة.

خامسا: التعيينات خاصة في الوظائف القياديّة هي محل اختبار دائم للحكومة في مصداقيتها واقترابها من نبض المواطنين، وكانت قد فشلت في هذا الأمر في السابق فشلاً ذريعا مما دعا الملك شخصيّا تنبيهها في هذا الشأن، وهو أمر كان سابقة خطيرة نظرا لأن الخطاب الرسميّ بالنزاهة والشفافية خالف ما تم على أرض الواقع، وستكون الأيام المقبلة محلّ رقابة شعبيّة على كيفية ملئ الشواغر الحاصلة في القطاع العام.

المشكلة ليست في أسماء الوزارات والمؤسسات، المشكلة هي في استعادة الثِقة بين الحكومة والمواطنين، وهذا لا يكون باستبدال الأشخاص أو التسميات في المناصب بقدر ما يكون ممثلا في إجراءات وخطط وبرامح يلمسها المواطن شخصيّاً على أمنها المعيشيّ وبيئة أعماله ومستقبل اقتصاده وتشاركيّة حقيقيّة لا إعلاميّة في رسم السياسات.

[email protected]

التعليقات مغلقة.