صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الدراما الاردنية غائبة في رمضان بجهل وتجاهل

 قيام صناعة دراما أردنية بمستوى متقدم هو دور وطني تمليه ظروف المواجهة مع الصهيونية وكيانها وأنصارها، وهي أولا وأخيراً صناعة توظف الآلاف و تسويق للبلد من اجل سياحة وطنية، تاريخية ودينية وجمالية، تعطي الأردن حقه كأرض مرّ عليها التاريخ بالعديد من الحضارات

لا توجد دراما أردنية تستحق الثناء على شاشات السهرات الرمضانية أنها غائبة، فاسحة المجال لسيل من المسلسلات التي لا تمت للواقع المعاش في العالم العربي. ولو شاء الأردن، القطاع العام والقطاع الخاص، ان يصنعا دراما أردنية لأخرجت أقوي وأجمل المسلسلات، ليس على المستوى المحلي فقط أنما على المستوى العربي والإسلامي والعالمي.

والأسباب عديدة منها:

١- ان الأردن منذ قيام الدولة، قبل ١٠٠ عام، هو الأقرب لفلسطين وقضيتها من ناحية الديموغرافيا والتاريخ، وبسبب هذه القضية فان أرضه وفلسطين بيئة غنية لإنتاج دراما ذات طابع إنساني من شأنها ان تشد انتباه الرأي العام بأسره، عالم لم يبقى فيه احتلال إلا الاحتلال الإسرائيلي، ولا توجد فيه دولة تُمارس الأبارتايد والجدران والحواجز والمعتقلات والعقاب الجماعي إلا اسرائيل. عالم ليس فيه من يحرم من حق العودة الى وطنه، بعد ان تضع الحرب أوزارها، إلا الفلسطينيين الذين يُحرمون من حق العودة وتصادر أوطانهم ومنازلهم، اما الصامدون في وطنهم فحياتهم اليومية، قتل وحصار واعتقال ونسف منازل ومصادرة أراضيهم وتقطيع أشجار بساتينهم.

الأردن وفلسطين، مخزن لقصص وحكايات، ابطالها بشر وناس، أطفال ورجال ونساء، لكل منهم حكاية هي بحد ذاتها دراما من الآلام والبطولات والتضحيات، ما لا تقرأه أو تشاهده، في تراث أي شعب خضع للاحتلال والتمييز والاستبداد والقهر والظلم.

ألا تستحق هذه البيئة الإنسانية الغنية بالأحداث الدرامية المخزونة في ذاكرة الأردنيين والفلسطينيين، أو المعاشة فِي واقع حياتهم، ان تقام لها صناعة سينما ودراما قوية وحديثة تنقل الى العالم قصة ناس هذه الأرض الذين يتعرضون للظلم والقهر والاحتلال والنفي والإذلال لكنهم لا يفرطون بحقوقهم الطبيعية كبشر وبقيم العدالة والإنسانية في مواجهة احتلال وحشي ونفاق دولي!

٢- لو كانت هناك صناعة دراما لخرج من صفوف الأردنيين والفلسطينيين أفضل النصوص، التي لا تحتاج الى خيال ولا الى الهام، حياة الفلسطينيين اليومية وصور المعاناة سواء في الضفة أو غزة، هي مصدر خصب لصناعة دراما ذات صبغة محلية لكنها تجسد المعاناة الإنسانية لشعب مقهور في ظل احتلال إحلالي عنصري يتحدى بصفاقة وتباهي كل القيم والأعراف والقوانين الإنسانية والدولية. وحياة كل لاجئ وأسرته وعائلته في خارج فلسطين رواية بحد ذاتها.

٣- ليس المطلوب صناعة انتصارات وهمية ضد هذا الاحتلال أنما نقل صور الظلم والقتل وسلب الحياة لآلاف المعتقلين وأسرهم في الضفة الغربية المحتلة، ومشاهد القتل البطيء لملايين الفلسطينيين في السجن الكبير المسمى قطاع غزة المحاصر والذي يتحول الى ميدان رماية مفتوحة كلما احتج الغزاويين بمظاهرة أو برصاصة أو صاروخ على استمرار حروب العقاب الجماعي، وهذه (المحرقة) التي لا تقارن بها محارق النازية …. القدس وحدها مصدر الهام لدراما تجذب اليها قلوب ملايين البشر من المسلمين والمسيحيين.

٤- هل يعقل ان لا تجد صناعة الدراما في الأردن وفِي العالم العربي إلا حكايات من الخيال ومن بطولات الحارات والأحياء المزيفة التي تسمم الوعي عند العربي، وترسله الى عمق مراتع الجهل بواقعه، لأنها تحمله فوق غيوم البطولات العنترية فيما هو يعيش واقع ووقائع محروم فيها من حقوقه الإنسانية وقد تكالب عليها الإعداد من كل زاوية..  حكايات الهدف منها نكران الواقع وسلب روح التحدي من عقله ووجدانه.

واذا كان هناك من سبب فهو عدم وجود رأسمال وطني فلسطيني وأردني (من القطاع الخاص ومن الدولة) يؤمن بأهمية صناعة السينما والدراما التلفزيونية على كل المستويات. ان وجود مثل هذه الصناعة بمثل هذه الأهداف الوطنية بامتياز والقومية أيضاً سيكون إنجازاً عظيماً، ليس فقط لتعزيز الحق الفلسطيني وتقوية الصمود الوطني الأردني بوجه مخططات العدو، أنما هو أفضل طريق لجذب دعم الرأي العام العالمي بوجه اسرائيل ووحشيتها وعنصريتها وأطماعها والأهم تزوير الحقائق بعد ان أصبحت هوليوود مقاولاً لترويج الأكاذيب الصهيونية.

قيام صناعة دراما أردنية بمستوى متقدم هو دور وطني تمليه ظروف المواجهة مع الصهيونية وكيانها وأنصارها، وهي أولا وأخيراً صناعة توظف الآلاف و تسويق للبلد من اجل سياحة وطنية، تاريخية ودينية وجمالية، تعطي الأردن حقه كأرض مرّ عليها التاريخ بالعديد من الحضارات، ليخلف تراثاً من حكايات البطولة والعطاء والصمود.

من اجل صناعة دراما تكرس عدالة قضية فلسطين وتعري هذا النفاق الدولي الذي يساند ابشع أنواع الاحتلال في التاريخ. لقد نجحت الحركة الصهيونية في تصوير العرب بأنهم برابرة وبان اليهود قوم متحضرون مهددون بالإبادة من قبل العرب، وذلك من خلال أفلام ومسلسلات هوليودية جعلت العالم يبكي حزنا على يهود برعوا في ذرف دماء التماسيح بينما أيديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين.

قد يسأل سائل: لماذا نحن من يطلب منه هذه الصناعة! فإذا لم يفعل العرب ذلك لماذا نحن؟ والجواب: نحن في الأردن، فلسطينيون وأردنيون، وأخوتنا فِي فلسطين المحتلة من هم في مواجهة النار وتحت لهيبها، نحن نعيش القضية وتطوراتها كل يوم وهي تلقي بظلالها السوداء المحملة بالقلق والمخاوف على مستقبل أبنائنا وأوطاننا اما الآخرين فهم في مربع التضامن، أو أهل الفزعة. ان القيام بمبادرة لإنشاء مثل هذه الصناعة واجب على الأثرياء الفلسطينيين والأردنيين، وهي ان، قامت ونجحت، ستستقطب فيما بعد رؤوس الأموال من العرب وغير العرب.

أخيراً، رمضان شهر إجماع تتوحد فيه مشاعر العباد تجاه الخالق، وتتلاقى فيه العادات بنكهاتها المتعددة لتجسد التعايش، ولياليه مناسبة لاسترجاع الذاكرة الوطنية والتاريخية من اجل تغذية وعي الأردنيين والعرب بالمعاني الدفينة التي تجعل من شهر رمضان (المولود قبل ١٤٠٠ عام) بأمر إلهي، حدثا ً مركزياً متجدداً في كل عام، في حياة الشعوب العربية والإسلامية، تسرد فيه قصة النبوة  ومقاومة  العدالة للظلم  والقهر والاستبداد . وتجسد فيه أعمال روائية لأحداث تاريخية وقعت على ارض الأردن المباركة خلال اكثر من ١٤٠٠ سنة، فالأردن يستحق ان يروج له وان تذكر مدنه وسهوله وجباله وأغواره في أعمال تؤدي الى ان تتردد أسماء هذه المعالم التاريخية والدينية على لسان الشعوب في عالم يتحول فيه الى قرية صغيرة.

بكلام آخر الدراما تروج للسياحة الوطنية (انظروا الى تركيا)، والدراما تقوي التلاحم الوطني وتوجه الوعي الى طريق البناء والشعور بالثقة على مستوى الهوية والدور والتاريخ وهي مستلزمات أي شعب يسعى لتحدي مخططات أضعافه وتدميره وتمزيقه. ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.

التعليقات مغلقة.