صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ثلاث دعوات في الاقتصاد

في الأثر أنَّ رمضان شهرٌ تُستجاب فيه الدعوات الصالحات، رغبتي أن أستغلَّ ذلك من منظور اقتصادي بحت، وأدعو الله أن يحقِّق ثلاث أمنيات، ويُسَخِّرَ لنا تحقيقها قريباً.
الدعوة الأولى أن تفزع الحكومة، من الآن، إلى عملية جراحية لإعادة هيكلة حقيقية لمفاصل الجهاز الحكومي، فنجد أنفسنا نعود إلى ما كنّا عليه من كفاءة وفاعلية، بعدد محدود من المؤسَّسات المستقلة لا يتجاوز 34 مؤسَّسة، وبدور وولاية حقيقية للوزارات التي أُخِذَ منها الكثير من الصلاحيات، فلم يعد لها من أمرها شيء في الكثير من مفاصل القطاعات التي تخصُّها.
دعوة قلبية تجعل من الجسد الحكومي لا يتجاوز 20 حقيبة وزارية عاملة وفاعلة، وعدد لا يتجاوز 5 وزارات دولة للأمور الطارئة والمشاريع والأحداث المؤقتة الكبرى.
دعوة مفادها أن نكونَ جادين بدخول المئوية الثانية للدولة بحكومة رشيقة، لا بعددها فحسب، ولكن أيضاً باستجابتها للصدمات الاقتصادية، والفرص القائمة، والاحتياجات الآنية والمستقبلية للناس.
حكومة ما بعد الإلكترونية، بطبقات ذكية، وخدمات خمس نجوم، تجعل من خدمة دافع الضرائب هدفها فتتسابق إلى تحقيق احتياجاته. هي دعوة كلفتها قليلة، ولكن أثرها كبير إذا أرادت الحكومات وسعت فعلاً إلى إنجازها وتحقيقها.
الدعوة الثانية أن تعود بنا الأيام إلى التخطيط الاقتصادي التنموي الذي أوصل المحافظات والمناطق في السابق، إلى أفضل مستويات تغطية في البنية التحتية من ماء وكهرباء وطرق، وأنتج أكبر مشاريع الإنتاج، والصناعة، والخدمات الصحية والتعليمية والحكومية. وأن تتحوَّل الجهود في التخطيط الاقتصادي التنموي إلى استغلال طاقات وإمكانات المناطق المختلفة، من الموارد الطبيعية والبشرية، ويتحقَّق منها مشاريع حقيقية تواكب تطورات العصر والتكنولوجيا، وتفتح فرص العمل، وتوسِّع الاستثمار المحلي، وتجذب الاستثمار الخارجي، فتتحوَّل مناطقنا إلى اقتصادات صغيرة متكاملة مع بعضها البعض.
فمحافظاتنا الاثنتا عشرة هي اقتصادات متكاملة إن أُحْسِنَ استغلالها، وربطها ببعضها البعض تكاملياً، وإن أُحْسِنَ إدارتها عبر اللامركزية التنموية، فهي، في ترابطها وتنوع مواردها، تشكِّل أكبر اقتصاد تنموي في المنطقة. فمناطق الجنوب غنية بالمواد الخام، وخاصة تلك المرتبطة بالطاقة، والأسمدة، والبناء، والصناعة التكنولوجية وفق متطلبات الثورة الصناعية الرابعة. أما امتداد الجنوب إلى الوسط ففيه مناطق تعدُّ مكتنزاً من المعالم السياحية، لا يتوافر لأي منطقة أخرى في العالم. البترا، وجبل نبيو، والبحر الميت أمثالةٌ على ذلك، كما أنها مناطق غِلال زراعية، ومُكتنَزات خامات صناعية، وخدمات لوجستية.
أما إذا امتدَّ الأمر إلى الشمال، فيأتي التكامل التام في أماكن السياحة، والصناعة، والزراعة، ويتوَّج ذلك كله بطاقة شبابية، وموارد بشرية لا ينقصها إلا الفرصة والعمل المخلص للاستفادة منها. طاقة بشرية منتشرة على امتداد المملكة، قادرة على مضاعفة الناتج المحلي للدولة في أقل من خمسة أعوام، إن جاء من يَقْدر على استغلال الطاقات والموارد والإمكانات الأردنية الطبيعية والبشرية.
وهنا تأتي دعوتي الأخيرة في أن تتحقَّق في القائمين على إدارة الاقتصاد وموارده الرؤيا والبصيرة وعدم الركون إلى اللاممكن، والمستحيل. فَقْرُ الإدارة، إن وُجِدَ، أسوء من فَقْرِ الموارد. اقتصادنا، بمناطقه المختلفة، ومحافظاته المتنوعة، غني بالموارد، يحتاج إلى من يخطِّط لاستغلالها، ويضع الخطط موضع التنفيذ. علينا أن نتحوَّل من فكرة الحصول على المساعدات والقروض، إلى فكر الاستثمار وجذب المستثمرين لا المقرضين، وعلينا أن نتحوَّل من فكر تخفيض النفقات وتضيق شرايين الاقتصاد إلى توسيع نطاق العمل وتحفيز الاستثمار القائم على التوسُّع، والعمل على جذب المزيد من الاستثمارات المناسبة لاقتصادنا، بإمكاناته وطاقاته. إن فكَّرنا خارج الصندوق، فسنحقِّق الدعوات الثلاث، وإن ركنّا إلى السلبية، والعمل بروتين جامد، وبفكر المستحيل، وفكر الأزمات، وفكر العقبات والمعيقات، فسنبقى في مكاننا، وقد نتراجع، لا سمح الله. الأردن طاقات، وإمكانات، وموراد غنّاء، كل ما يحتاجه حسن الإدارة وحسن الاستغلال.

التعليقات مغلقة.