صحيفة الكترونية اردنية شاملة

سياسة باب الحارة الأردنية

في الأردن ، لا يختلف حال السياسيّين و في المعارضة على وجه التحديد عن سيناريو باب الحارة المتكرّر ، وما من أحد منهم يلتقط الإشارتان المتوازيتان ، الملكيّة و الشعبيّة نحو التجديد و قلب الصفحة

يصر القائمون على مسلسل باب الحارة بإستمرار عرضه للموسم العاشر على التوالي رغم خسارته للسواد الأعظم من متابعيه ، و بعد أن كانت الطرقات تكاد تخلو من المارة لدى عرضه بات أشبه بمجرد عادة لدى القائمين عليه و النزر الضئيل ممن بقي من المتابعين و إن إضطرّ الأمر لإحياء ممثلين ماتوا في أجزاء سابقة !

في الأردن ، لا يختلف حال السياسيّين و في المعارضة على وجه التحديد عن سيناريو باب الحارة المتكرّر ، وما من أحد منهم يلتقط الإشارتان المتوازيتان ، الملكيّة و الشعبيّة نحو التجديد و قلب الصفحة .

فجلالة الملك يخاطب الكتل البرلمانية و الشباب و الوجوه الجديدة لتدلي بدلوها و تشكّل الأحزاب القادرة ، و الشعب يكفّ عن الإنضمام للأحزاب القائمة و بعض من تطرح نفسها على الساحة كقوى سياسية خارج رحم الأحزاب ، و تستمرّ رحلة المواطن – قبل اليأس – بالبحث عن البدائل للشكلين أعلاه في النقابات و بعض الجمعيات .

و سبب العزوف ليس في نقص التمكين ، بل قامت الدولة بما عليها في عملية تشجيع الإنضمام للأحزاب بدءاً من الدعوات المتكررة لرأس الهرم مروراً بالحفاظ على الإلتزام بتمويل الأحزاب في نسخة نظامه التشجيعية المطروحة للتعديل و إنتهاءً بتوزير أقطابٍ قبلت المشاركة في السلطة التنفيذية من المعارضة التي كان بعضها محظوراً في حقبٍ ليست ببعيدة ، و تبقى المنظومتان الحزبيّة و شبه الحزبيّة تعانيان من تكلُّسٍ رافضٍ لإستبدال الوجوه و تغيير النهج و تجاهُلٍ للإشارات أعلاه محاةلةً إحياء العظام وهي رميم .

فما يعاب على عديدٍ من الأحزاب أنها لا تبيع الديمقراطية من باب أنّ ” فاقد الشيء لا يعطيه ” ، وكيف لمن يحتكرون مقاعد الأمانة العامة لحزبٍ أن يتداولوا السلطة و هم عاجزون عن تداولها في بيوتهم الداخلية حيث أن كثيراً منهم يسيطر على كرسيّ الأمانة العامة لأكثر من عشرة سنوات و يزيد ؟

و كيف لحزبٍ يصادر حقّاً دستوريّاً كالترشُّح أو الإنتخاب بقرارٍ تنظيميٍّ ملوّحاً بمحاكمة و فصل الأعضاء إذا هُم شاركوا رغم أن المشاركة هي الأصل لا الإستثناء عدا عن قدسيّتها كحقّ ؟ و غير ذلك الكثير من الأمثلة المنفّرة و الطّاردة للجمهور .

أمّا الحركات السياسيّة التي تعتبر نفسها نواةً لأحزاب مستقبليّة فهي تعاني إمّا من رجعيّة الخطاب و تقليديّته تماماً كما هو حال الأحزاب كذلك أو من إستهلاك وجوه بعض رموزها – القوى – إذ ينظر إليهم الشارع إمّا كباحثين عن مناصبٍ سَلَف لهم وأن شغلوها أو أنّهم جزءٌ من المشكلة التي يطالبون بحلّها بحكم خدماتهم السابقة في الدولة .

عامٌ واحدٌ فقط بات يفصلنا عن الميقات الدستوريّ لإنتخابات المجلس النيابيّ التاسع عشر ، و ما زالت الشكوى في غير محلّها إذ تنصبُّ على القانون و الحقيقة أن الأساس للتغيير لن يكون إلّا بفكرٍ جديدٍ يُحيي النفوس ، فكرٌ عمادهُ الواقعيّة و سعة الصّدر و مقارعة الحُجّة بالحُجّة و البُرهان عبر علاقة مهنيّةٍ إنتاجيّةٍ ليست إبتزازيّة ولا إستفزازيّة مع الدولة ، فكرٌ يحمل برامجاً حقيقيّةً مُعلنة لا مخفيّةً أو منعدمة ، فكم من حزبٍ أردنيٍّ ينشر برنامجاً على موقعه الإلكترونيّ ؟ و كم من تلك البرامج واقعيٌّ يطرح الحلول ولا يكتفي بالإنشاء أو عرض التحدّيات فقط ؟

قد لا تتمكّن القوى المرغوبة شعبيّاً و الراغبة في الوصول إلى السلطة من تشكيل أحزاب قادرة على الإيفاء بمتطلبات الترخيص و المنافسة عبر القوائم حتى موعد الإستحقاق الدستوريّ المقبل ، لكنّ قوىً برأسٍ واحدٍ لكلّ منها معروفٌ لدى الشعب بفكره و مصداقيّته كافيةٌ لأن تشكّل خطوة إلي الأمام تكون بديلة للتكلّسات المسيطرة على الشارع السياسيّ ، و هذا يحتاج برامج مستحدثة تعالج القصور في الهوية الأردنية جميعها ، إقتصاداً و فنّاً و رياضةً و سياحةً و أدباً و تعليماً ، و أخيراً سياسة .

لقد مَلَّ الشّارع ، و إنّ الأمل ليتأتّى منه لا يُنتظر من الدّولة ، هكذا هي السياسة منذ وُلِدَت إذ يفرض قويّها نفسه على الساحة ضمن سياق الدستور و القانون ، لا سيّما وأنّ العصر بات أكثر إنفتاحاً و أصبح إبنُ أقصى الشمال قادرٌ على الوصول و التأثير عبر الأثير لإبن الجنوب العكس صحيح و إلى المغترب حتّى .

لن يترك أحدٌ مقعده الحزبيّ أو التّاريخيّ طوعاً ، لذا ؛ وجب على أصحاب الفكر أن يقدّموا أنفسهم و أن يحتملوا ما سيصحب ذلك من تخوينٍ و تشكيكٍ بالقدرات و ربما ما هو أبعد ، و قد كتبتها سابقاً و أكرّرها ” إنّ المرور عبر متاريس المعارضة التقليديّة نحو السُّلطة أصعب بكثير من بوّابة الدولة ” .

و قل إعملوا ، فالفرصة متاحة و الوطن يستحق و الطاقات موجودةٌ و زاخرة .

التعليقات مغلقة.