صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التنافسية أسلوب حياة

منذ عشرة أعوام قرَّرت دولة الإمارات أنها ستكون على رأس الهرم التنافسي إقليمياً وعالمياً. ولمّا لم يكن نيل المطالب بالتمني، فقد سعت الدولة بكل إصرار نحو وضع الممكِّنات التي تجعلها تحقِّق هذا الهدف بشكل تدريجي، لا يعرف البطء ولا يركن الى المستحيل، ولا يختبئ خلف الظروف المحلية، أو الإقليمية، أو العالمية. وقد بدأت الفكرة عام 2009 وبفريق تمَّ تشكيله من سبعة أشخاص فقط، وبإعلان عن إقامة الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء، التي باتت اليوم تزخر بالعديد من الكفاءات المميزة المؤمنة بأهمية التنافسية في كافة القطاعات الاقتصادية.

النتيجة بعد هذا الإصرار هي أن تبوَّأت دولة الإمارات اليوم المركز الأول في 75 مؤشراً عالمياً للتنافسية، وأن تكون ضمن المراكز العشرة الأولى فيما يزيد على 310 مؤشرات تنافسية عالمية في مجالات التعليم، والصحة، والاقتصاد، والابتكار، والأمن والأمان.

والأهم من ذلك أن الدولة ممثلة بالحكومة، وعلى أعلى المستويات، تؤمنُ وتصرُّ على أنَّ هذه هي البداية، وأنَّ الدولة ستعمل على تحقيق المراكز الأولى في 1000 مؤشر للتنافسية العالمية بقطاعاتها المختلفة، خلال السنوات العشر القادمة. هذا الإصرار، وهذا التحدي من قِبَل حكومة دولة الإمارات قابل للتحقيق، لأنَّ هناك رؤية وهناك إصرار على التنفيذ، وقد أثبتت دولة الإمارات أنها قادرة بكوادرها الوطنية، وباستقطاب أفضل الكفاءات من المنطقة والعالم على تحقيق أهدافها؛ لأنها لا تضع الخطط ولا تركن إليها فقط، بل تنتقل من التخطيط إلى التنفيذ، وفق معايير أداء واضحة، وآلية عمل شفافة ونزيهة، تُكافئ المجتهد وتُحاسب المقصر.

الإصرار على التنافسية والتميز في العمل وفي خدمة المتعاملين جعلها أسلوب حياة في كافة مرافق العمل والإنجاز للدولة. نموذج الإمارات في التنافسية الحقيقية لا يقوم فقط على البحث عن أفضل التطبيقات وتقليدها أو نقلها، بل تتعداه إلى محاولة التفوُّق على تلك التطبيقات. التنافسية ترى في التحديات فرصاً للتطور والانعتاق من القيود.

أمّا الوقوف عند التبرير، أو الركون إلى ظروف المكان، أو تقلبات الزمان، فإنما هي لغة العاجز عن تحقيق أهدافه، أو غير القادر على الخروج من واقعه نحو آفاق المستقبل، بفكر الاستشراف، وعبر التفكير خارج الصندوق. علينا أن نتعلَّم في الأردن أنَّ الوقت لا يخدم المتقاعسين، وأنَّ الزمن يتجاوز كلَّ من يركن إلى التبرير، وإلى تصغير سقف توقعاته. التنافسية أسلوب حياة، وكذلك التميز.

في الأردن بدأنا مسيرة التنافسية بوحدة فاعلة مميزة للتنافسية تمَّ إنشاؤها في وزارة التخطيط في بدايات عقد التسعينات من القرن الماضي، وكانت من أكثر الوحدات الفاعلة في نشر فكر التنافسية والعمل عليه، ثمَّ خبا دورها، وأفل بريقها، واختفت إنجازاتها بفعل غياب الرؤية الحكومية الواضحة حول أهمية التنافسية. وقد تاهت التنافسية في الأردن بين وزارة التخطيط، وقوانين الاستثمار المتعاقبة، والمجلس الأعلى للتنافسية. العالم يقدم لنا سنوياً استشارتين مجانيتين حول وضعنا التنافسي، وحول ما يمكن عمله لتحسينه، وذلك من خلال تقرير التنافسية العالمي، وتقرير سهولة الأعمال، في حين أننا، وعلى مدى العقد المنصرم، نقوم بالاطلاع على هاتين الاستشارتين، ونكتفي بالإعلان عن التراجع المستمر في موقعنا في التنافسية وسهولة الأعمال، مبررين خسارتنا لمواقعنا السابقة بأنَّ هناك من تفوَّق علينا وتحسَّن موقعه، في حين أننا لم نتراجع بل بقينا على ما كنّا عليه، نحن لا نتراجع ولكن الآخرين يتقدمون!!! إن لم نحوِّل التنافسية والتميز إلى أسلوب حياة في كافة قطاعات العمل العام والخاص، وإن لم نركن إلى إجراءات حقيقية تؤدي إلى تحسين المناخ التنافسي في البلاد، فلن يكون لنا أن نتقدَّم اقتصادياً، أو نجذب أي استثمار حقيقي.

 المستثمرون الحقيقيون حول العالم يبحثون في تقارير التنافسية وسهولة الأعمال لأيِّ دولة قبل أن يتخذوا قرار الاستثمار فيها. ودور الاستشارات العالمية تعتمد في تصنيف أي دولة من حيث الاستقرار، ومن حيث نجاعة الاستثمار وجدواه، ومن حيث المخاطر، بناءً على التقارير الدولية عن تلك الدولة.

ولعلَّ تقريري التنافسية وسهولة الأعمال هما حجر الرحى في ذلك كله. ويبقى السؤال المحيِّر، وعلى مدى السنوات العشر الماضية على الأقل: متى تفزع الحكومة إلى تشكيل فريق إنقاذ وطني على نسق ما قامت به الإمارات منذ عشرة أعوام، فيدرس أين نحن من التنافسية العالمية، ويضع خطة عمل وطنية حقيقية للوصول إلى مستويات عالمية متقدمة؟! هل يعقل أن نلجَ المئوية الثانية للدولة ونحن نراوح مكاننا أو نتراجع في مستويات التنافسية والتميز؟ في الأردن إمكانات، وموارد بشرية، وطبيعية، قلَّ نظيرها في المنطقة. وعلينا أن نعمل ونصرَّ، وأن نرفع سقف التوقعات، وأن نضع آليات التنفيذ الشفافة ذات المعايير الواضحة، وألا نقبل بأقل من المراكز الأولى في العديد من مفاصل التنافسية العالمية، ونعم نستطيع، ويمكننا ذلك، ولا ينقصنا سوى الإصرار، ومحاسبة المقصر، ومكافأة المجتهد، والتحوُّل إلى طريق العمل النوعي، والتقليل من الانغلاق على تحديات الزمان والمكان والظروف، بل والتفكير خارج الصندوق الذي نحجز أنفسنا فيه.

التعليقات مغلقة.