صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مراجعة الصندوق ومتطلبات المرحلة

هذه المراجعة ستثبت أنَّ التوجُّهات المالية وحدها لن تؤدي إلى استرجاع النمو، أو إلى تحقيق التنمية المطلوبة

تقوم بعثة صندوق النقد الدولي هذه الأيام بمراجعتها الدورية لوضع الاقتصاد الأردني، ضمن الاتفاقية المشتركة بين الجانبين حول الترتيب الائتماني لبرنامج الإصلاح المالي والاقتصادي الذي يتنباه الأردن بالاتفاق مع الصندوق. ولعلَّهذه المراجعة ستثبت أنَّ التوجُّهات المالية وحدها لن تؤدي إلى استرجاع النمو، أو إلى تحقيق التنمية المطلوبة. وقد أظهرت الأرقام الرسمية الأخيرة إنجازاً مالياً مهماً بالنسبة للأردن، تمخَّض عن انخفاض محوري في العجز المالي عمَّا كان عليه في العام المنصرم، وبنسبة وصلت إلى نحو 34%.وفي هذا السياق، من الواضح أنَّ سياسات الضبط المالي المتشددة التي تتبعها الحكومة أثمرت بشكل واضح. المراجعة الجديدة مع الصندوق تتطلب في الحقيقة العودة إلى الأهداف الرئيسة للبرنامج المتفق عليه، والتي يأتي في مقدمتها تحريك عجلة النمو، وتنشيط الاقتصاد عبر سياسات استثمارية مناسبة تحرِّك جانب الإنتاج، وتخلق الوظائف، وتؤدي في النهاية إلى نموٍّ اقتصاديٍّ كليٍّ حقيقيٍّيفوق نمو المديونية، ما يؤدي بالضرورة إلى انخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي. العودة إلى تلك الأهداف مهمة للغاية، ذلك أنَّ متطلبات المرحلة الاقتصادية أردنياً لا تنحصر في الحفاظ على المكتسبات التي تمَّت في مجال الضبط المالي العام فحسب، بل تتعداه إلى التركيز بشكل كبير على تنشيط جانب العرض، وهو الجانب الأهم في تحقيق النمو، وفي زيادة مشاركة القطاع الخاص في خلق الوظائف، وفي التخفيف من حدة الآثار الاجتماعية المعروفة لأي برنامج إصلاح اقتصادي، والمتمثلة في زيادة جيوب الفقر، ومعاناة الطبقات محدودة ومتدنية الدخل. متطلبات المرحلة على المستوى الأردني تتطلَّب التوجُّه بشكلٍكبيرٍ إلى سياسات استثمارية جديدة، تساعد على تنشيط عمل القطاع الخاص، وتتطلَّب أيضاً أن تلجأ الحكومة إلىالاستثمار ضمن صناديق مشتركة مع القطاع الخاص، والصناديق السيادية المحلية والإقليمية والدولية، في تنفيذ مشاريع كبرى، في مجال الطرق، والمواصلات، والسياحة، والتعليم، والخدمات الطبية. متطلبات المرحلة تستدعي أيضاً النظر في البدء بتخفيض أسعار الفائدة عبر قنوات السياسة النقدية ومن خلال السياسات التأشيرية للبنك المركزي، خاصة أنَّ التوجُّهات في البنك الفدرالي الأمريكي هي التحوُّل في المرحلة القادمة نحو تخفيض أسعار الفائدة على الدولار. السياسة النقدية كانت دائماً قارئاً جيداً لمتطلبات المرحلة في الأردن، والأمل أن تستمر في ذلك ضمن الأوضاع الحالية. بعثة الصندوق اليوم مطالبة بأن تدعم التوجُّهات الحكومية القائمة على خلق الوظائف، وعلى التوجُّه الحكومي نحو تنشيط الشراكة مع القطاع الخاص، مع التركيز هنا على إعادة النظر في هيكلة وقانون الشراكة،الذين يبدو أنهما قوضا الشراكة بدلاً من أن يقوما على تنشيطها. والصندوق مطالب أيضاً بدعم توجهات الحكومة نحو إيجاد سبل تمويل ذات كُلَفٍ مناسبة للبدء ببعض المشاريع الكبرى التي يمكن أن يلمس المواطن أثرها على الاقتصاد، وعلى التنمية، والمهم أن يكون ذلك على مستوى محافظات المملكة ككل، ما يتطلَّب بشكل واضح النزوع إلىسياسة استثمارية لا مركزية واضحة لكافة مناطق المملكة. وأخيراً وليس آخراً، فإنَّ السوق المالي المحلي والعالمي اليوم يفيض بالسيولة الرخيصة من العملات الأجنبية، الدولار تحديداً، وهي سيولة ناتجة عن تواضع الفرص المتاحة عالمياً، من جهة، وعن حالة عدم التأكد التي تغزو العالم في ظل توقعات ركودية عالمية، من جهة أخرى. هذه السيولة رخيصة بسبب عدم تمكنها من الحصول على أسعار فائدة كبيرة في السوق العالمية، بل هي تواجه معدلات فائدة سالبة في العديد من دول العالم، وهنا لعلَّ الوقت قد حان لطرح سندات تنمية بالعملة الأجنيبة، واللجوء إلى الصكوك الإسلامية العالمية أيضاً، بهدف تمويل مشاريع حيوية كبرى في البلاد، على أن لا تقل فترات السداد على خمسة عشر عاماً، وأن يتم حقنها في الاقتصاد في أقرب وقت ممكن، وتحديداً في مشاريع تنموية كبرى مدروسة، وذات أثر مالي واجتماعي، وفي كافة محافظات المملكة، ومن هذه المشاريع، على سبيل المثال لا الحصر، مشاريع في مجال السليكا في الجنوب، وفي مجال التليفريك والسياحة في الشمال، وفي مجال المواد الخام في الجنوب أيضاً، وفي مجال التنمية السياحية في العقبة، مثل مشروع المطل، وفي مجال الطرق، مثل سكة القطار الخفيف. اللجوء إلى تلك السندات والصكوك مهم للغاية شريطة أن يكون ذلك للدخول في مشاريع تنموية بالشراكة مع القطاع الخاص، المحلي والدولي، وأن تكون تلك الشراكة لغايات تحقيق عوائد مالية واجتماعية متوازنة. الفرص كبيرة اليوم ضمن الأوضاع العالمية والإقليمية، وعلى صانع القرار أن يستغلَّ تلك الفرص دون تأخير، البطء ليس في صالحنا. وفي الختام، فإنَّ بعثة الصندوق ستجد أننا فعلاً حقَّقنا المطلوب في مجال الضبط المالي، وهو أمر يُسجل للحكومة ولوزارة المالية، ويبقى علينا أن نقنع أنفسنا، قبل البعثة، بأنَّ متطلبات المرحلة تستدعي التحرُّك نحو الاستثمار، ونحو تنشيط الاقتصاد، والسبل كبيرة، ومجدية ومتاحة إن أردنا أن نقوم بذلك فعلاً.

[email protected]

التعليقات مغلقة.