صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأسرة النووية في الاردن .. بين الواقع والحلول

تحيا الاسرة النووية العربية والأردنية (أب وأم وأطفال فقط) مرحلة صعبة وحرجة بسبب ظروف اقتصادية ضاغطة صاحبها توقعات استهلاكية عالية للنشء الجديد، ورافق ذلك اتساع فجوة الأجيال وضعف الوازع الديني وغياب التوقعات التقليدية لدور الزوجة والزوج والأولاد. لكن التشخيص الموضوعي على أهميته لا يكفي، ولابد من حلول قوية تخص الأسرة- لبنة المجتمع الأولى. 

لكن أين هي الحلول الناجعة؟. بهدف ايجاد حلول لمشكلات الاقتصاد وتحدياته، لجأت عموم الدول العربية الى “الوصفات الغربية” فتبنت الليبرالية الاقتصادية على أمل “اللحاق” بالأمم الصناعية والمتقدمة اقتصادياً!. 

لكن فيما يخص بالأسرة، فان الحال مختلف تماماً. نحن هنا بالتأكيد ليس أمام ممارسات دولية “مثلى” أو “نموذج” عالمي يُقتدى. لأن الغرب يئن بالمشكلات الوجودية فيما يخص الأسرة. 

فالغرب أبعد ما يكون عن توفير “توصيات” تعكس تجربته الناجحة في مجال بناء الأسرة واستدامتها، سواء في مرحلة التأسيس أو البقاء أو الهناء الأسري. السبب بسيط: الأسرة الغربية هي إما غائبة تماما بسبب ضعف معدلات الزواج أو تعاني الأمرّين من مشكلات مزمنة تعكس أزمة وجودية. 

ففي المجال الأسري تعاني الدول الغربية المعاصرة من مشكلات الطلاق والعنوسة (العزوبية) والخيانة الزوجية والهجران الزوجي والبغاء، ومن الأمراض الجنسية وآخرها الإيدز والاجهاض والأطفال غير الشرعيين، والعنف الأسري والاغتصاب والشذوذ الجنسي، وأخيراً ظاهرة “الامهات المراهقات”. فلماذا تخلّف غيرنا ولماذا نحن سائرون نحو التخلف في مجال التنمية الأسرية؟.

ولوضع الاسرة الأردنية مؤشرات متباينة للهشاشة والتفكك والفشل تشمل: حالات عدد القضايا الشرعية المسجلة في المحاكم، والخلافات والمشاحنات الأسرية، والعنف الأسري، وعقوق الوالدين، والهجران الزوجي، ودخل الأسرة بعد الضرائب وأقساط القروض المصرفية، ونسبة الاسر التي تعولها امرأة، ونسبة الأردنيات المقترضات ونسبة الأردنيات الغارمات، وعمالة الأطفال، والتسرب من المدارس، ونمو مديونية الأفراد والأسر، ومتوسط عدد ساعات التفاعل الاجتماعي الصحي بين اعضاء الأسرة خلال الشهر، وتأخر سن الزواج وتراجع عدد عقود الزواج، وأخيراً بقاء حالات الطلاق عند مستويات عالية. ولست هنا بصدد ايراد المؤشرات الرقمية، فهذا شأن الدراسات الاجتماعية وتقارير أحوال الأسرة في الاردن. لكن الأمر ليس بحاجة للأدلة الاحصائية!

وكحالة دراسية هامة حول أسباب التوترات الدائمة ضمن الأسرة النووية الأردنية المعاصرة، أنوه الى نتائج الجمع بين الضائقة الاقتصادية والليبرالية الاجتماعية. فعندما تجتمع الضغوط المالية مع رغبة الجيل الجديد في “اثبات الذات” والحصول على متع العصر التقني والاستهلاكي (كالموبايل الذكي والنادي الرياضي وربما السيارة الخاصة)، يصبح الناتج خلطة سامة لاستقرار الأسرة. 

فالأب ضمن الطبقة الوسطى- أو ما تبقّى منها- يُفترض به ان يمول بالكامل تعليم ابنائه من الصف الأول حتى التوجيهي وحتى السنة الأخيرة من الجامعة ولمدة ممتدة للغاية تصل الى 16 سنة على الأقل. وفي ظل تحرير أسعار التعليم المدرسي الخاص وتشوّه أقساط التعليم الجامعي الحكومي بوجود النظام الموازي، فان الموازنة الكلية المطلوبة لتعليم الأبن الواحد تتراوح بين 20 الفاً كحد أدنى الى 30 الفاً، حسب تصنيف المدرسة الخاصة وطبيعة الجامعة والبرنامج الدراسي. 

في هذه المرحلة الشبابية الحساسة، يُفترض في الشاب ان يكون متفرغاً للدراسة ودون عمل يدعم موازنة الأسرة وأن يبذل قُصارى جهده وجديته لتحصيل العلم والتفوق، كيف لا والأب يعاني الأمرّين لتحصيل التمويل الكافي لتعليم كافة أولاده الثلاثة أو الأربعة؟ كما يُتوقع من الابن ان يجد عملاً كريماً بعد هذا الاستثمار البشري طويل الأجل في التعليم؟ لكن هل الواقع يتطابق مع المثال؟ 

لا أعتقد ذلك في النسبة العظمى من الأسر، ونسب النجاح في التوجيهي هي مؤشر واحد من عدة مؤشرات تؤكد ذلك. فالأبناء للأسف قد سلبت الليبرالية والاستهلاكية والرقمية وقيم “الجن” أرواحهم وأخلاقهم وجديتهم في طلب العلم ومراعاة معاناة الأباء والأمهات العاملات. 

هذا يخلق توقعات متضاربة واحباطات مستمرة داخل الأسرة، قد تنتهي: بعمل الأولاد وتسربهم من المدرسة أو الجامعة في أحيان، أو بالعقوق والهجران والطلاق في حالات ثانية، أو بالاخفاق الدراسي ومن ثم تبادل الاتهامات المتكررة بين أعضاء الأسرة النووية في حالات ثالثة، أو ربما مزيج عجيب من السيناريوهات الثلاثة. 

باختصار، نحن في أمس الحاجة الى استراتيجيات وبرامج ودراسات عميقة وبعيدة كل البعد عن النهج الليبرالي -الاقتصادي والأسري- السائد حالياً اذا أردنا بقاء الأسرة وعدم انحدراها الى حالة الغرب المتخلف أسرياً. فأين علماء الاجتماع وأين المؤسسات والوزارات المعنية بالأسرة بهذا الخصوص؟

التعليقات مغلقة.