صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الشباب بين إيجاد الوظيفة والبحث عنها

عنصر الشباب في الأردن لا يشكِّل كتلة عددية فحسب، ولكنها كتلة نوعية إنتاجية وريادية بالدرجة الأولى، وقد أشارت الأرقام الأخيرة للمشاريع الريادية المبتكرة في المنطقة أنَّ ما يزيد على ربع تلك المشاريع يأتي من الشباب الأردني بجنسيه الإناث والذكور

اللقاء الذي عقده جلالة الملك بحضور ولي العهد حديثاً مع مجموعة من الشباب الرياديين وأصحاب المشاريع، لقاء ذو دلالة اقتصادية واجتماعية مهمّة للغاية. فالأردن ينعم بتركيبة سكانية شابة تتجاوز ثلثي السكان تقريباً، وينعم وفق المؤشرات الدولية بالمركز الثامن عالمياً في نوعية المورد البشري، حسب تقرير المعرفة العالمي 2018، ويحتل المركز 26 عالمياً في مؤشر كفاءة الطلاب، كما أنه في المركز 18 عالمياً في نسبة خريجي الجامعات إلى الملتحقين بالتعليم الجامعي.

عنصر الشباب في الأردن لا يشكِّل كتلة عددية فحسب، ولكنها كتلة نوعية إنتاجية وريادية بالدرجة الأولى، وقد أشارت الأرقام الأخيرة للمشاريع الريادية المبتكرة في المنطقة أنَّ ما يزيد على ربع تلك المشاريع يأتي من الشباب الأردني بجنسيه الإناث والذكور.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله أنَّ الفرصة السكانية في الأردن بدأت تتحقَّق، وهي تلك الفرصة التي تجعل الشريحة العمرية المنتجة أكبر نسبياً من شريحتي الأطفال وكبار السن، وأنَّ تلك الفرصة ستكون في مرحلة الذروة الكبرى بين الفترة 2030-2050، فإنَّ ذلك كله يعني أنَّ الاهتمام الملكي بالشباب إنما يعبِّر عن وعي كامل بأهمية اغتنام ما يكتنز الأردن من هذه الطاقات، وهو توجيه واضح بأن يتمَّ التخطيط السليم لدعم القيادات الشبابية الريادية، وهي فرصة سيؤدي عدم اغتنامها وتوظيفها إلى أمرين غير محمودين، فإمّا أن تهاجر تلك الطاقات، ونستمر بتهجير العقول، وإمّا أن تترهل وتركن إلى الاحباط واليأس، لا سمح الله، وهو ما يتركها عرضة للاستقطاب السلبي بأشكاله السياسية والدينية والاجتماعية غير المحمودة.

الشباب المكوّن الأساس للمجتمع الأردني، والطاقة الشبابية فرصة كبيرة يجب أن لا تتحوّل إلى تحدٍّ كبير، في ظل معدلات بطالة غير مسبوقة. والمَخْرَج واضح وصريح ومباشر، وهو يتلخّص بتشجيع الريادة، ودعم المبدعين، وإيجاد سبل احتضانهم في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية للدولة. الرسالة الملكية واضحة، فهي تتلخص في تشجيع الشباب على الريادة، وخلق وظائفهم ومصادر رزقهم بأنفسهم، بدلاً من الركون إلى انتظار الوظيفة، والتعيين، والبحث عن الواسطة والمحسوبية. هذه الرسالة تحتاج إلى تحرُّك سريع في مجالات محدّدة.

المجال الأول، ضرورة توحيد منظومة التعامل مع قضايا دعم الريادة الشبابية ضمن مظلة واحدة لا غير. المسارات المتعددة لدعم ريادة الشباب تعني هدر المال، وتكرار الجهود، وعدم الوصول إلى كافة الشرائح المستهدفة.

توحيد الجهود يجب أن يتمَّ عبر مظلة واحدة مركزها مؤسَّسة ولي العهد بالتعاون مع وزارة الشباب، وبحيث تعمل جميع الجهات ضمن تلك المظلة وضمن صندوق واحد لكافة شباب ومناطق المملكة. المجال الثاني، هو ما أشار إليه جلالة الملك خلال اللقاء، بحيث تتركّز الجهود القادمة لدعم مشاريع الشباب على مفهوم الحاضنات الداعمة لبناء القدرات الشبابية الشخصية، وتقديم الدعم المالي، واللوجستي، والتطوير والبحث العلمي. الشباب لدينا بحاجة ماسة إلى بناء قدرات شخصية في مجال التسويق، وفي مجال مهارات التواصل مع الغير، وفي مجال تحليل واستغلال البيانات، وفي مجال اللغات الأجنبية أحياناً.

أمّا على المستوى اللوجستي فهم بحاجة ماسة إلى من يساعدهم على تقنيات فتح الأسواق، وعلى النفاذ إلى الأسواق المحلية والخارجية، وإلى فنِّ تحليل السوق وفنِّ دراسته.

كما أنهم بحاجة أحياناً إلى معرفة تقينات التخطيط المالي السليم، بما في ذلك حسابات الكلفة، وآليات التسعير المناسب. يضاف إلى ذلك كله الحاجة الماسة إلى التمويل، في العديد من المجالات، والحاجة أيضاً إلى حاضنة علمية تساعد على البحث والتطوير العلمي للمشاريع أو الأفكار الريادية للشباب.

وأخيراً وليس آخراً، الشباب بحاجة إلى تواصل مستمر عبر الأذرع التنفيذية للحكومة، ولا شك أنَّ وزارة الشباب تقوم اليوم بدور مهم في تنمية قدرات الشباب، وتحتاج إلى استمرارية في ذلك.

ومن المهم أن نضيفَ هنا، أنَّ الحاجة ماسّة إلى استيعاب الشباب ضمن الاقتصاد، واغتنام طاقاتهم داخله، وإطلاق مشاريعهم الريادية منه، سياسات تصدير الطاقات البشرية الأردنية إلى الخارج، ليست سياسة ناجعة في الأجل الطويل، وقد تؤدي إلى تخفيف البطالة مرحلياً وفي الأجل القصير فقط، ولكنها تؤدي أيضاً إلى تهجير العقول وتهجير منتجات العقول الأردنية، وبحسبة بسيطة فإذا كان ما تحوّله الموراد الأردنية إلى الأردن من حوالات العاملين سنوياً يصل إلى نحو أربعة مليارات دولار، وإذا افترضنا أنَّ ذلك يشكِّل نحو 5% ممّا يُحصله هؤلاء من أجور عن إنتاجيتهم في دول العالم المختلفة، فإنَّ ذلك يعني أنَّ قيمتهم المضافة في الدول التي يعملون بها لا تقل على 80 مليار دولار سنوياً، أي أكثر من ضعفي الناتج المحلي الإجمالي للأردن، وباعتقادي أننا في الأردن في أمس الحاجة إلى هذه الانتاجية وهذه الجهود.

كنوز الأردن في مواردها البشرية الشابة، علينا اغتنامها، وفتح الفرص لها، واستغلال ريادتها وإمكاناتها.

[email protected]

التعليقات مغلقة.