صحيفة الكترونية اردنية شاملة

العبء الضريبي واستدامة النمو

يتداول الناس عبر العديد من وسائل التواصل الاجتماعي مقولة ابن خلدون حول الارتباط السلبي بين زيادة الضريبة والنمو الاقتصادي. والحقيقة أنَّ موضوع العبء الضريبي، وليس معدل الضريبة، هو في العادة ما يجب الانتباه إليه، وهو ما أشار إليه ابن خلدون. ما يعني أنَّ الاهتمام يجب أن ينصبَّ أساساً على عبء الضريبة، أو الضرائب والرسوم، على دخل الفرد، أو دخل المجتمع ككل، أفرادٍ وشركات.

 وهنا يأتي مفهوم الدخل المتاح للاستهلاك، أو العائد المتاح لإعادة الاستثمار أو للادخار ومن ثمَّ للاستثمار. وفي الوقت الذي يُركز فيه العامة على موضوع زيادة الضرائب، وزيادة الرسوم، وأثرهما السلبي في الدخل المتاح لهم للاستهلاك، أي الدخل بعد استبعاد الضرائب والرسوم المختلفة، سواء أكان الدخل من الأجور والرواتب، أم من روافد الدخل المختلفة من إيجار، أو عوائد ودائع البنوك، أو ريع الأرض، فإنَّ العديد ينسى أنَّ معادلة عبء الضريبة لها طرفان، هما الضرائب والرسوم من جهة، والدخل من جهة أخرى. وعليه، فإنَّ اللوم على زيادة الضرائب والرسوم يجب ألا يكون النافذة الوحيدة التي يجب أن يتمَّ تناولها وتعليق المشكلات عليها، بل إنَّ البحث عن تحسين مصادر الدخل، للأفراد، أو للشركات، يجب أن لا يقل أهمية وسعياً وإصراراً، عن موضوع الضرائب والرسوم.

 تستسهل السياسات كثيراً قضية رفع الضرائب والرسوم لصالح معالجة العجز المالي، أو لغايات تسديد القروض والالتزامات العامة، بيد أنَّ منتقدي سياسات الضرائب والرسوم ينسون الطرف الأهم والأصعب في المعادلة، وهو طرف سبل رفع الدخل، وتيسير الحصول عليه، وفتح منافذ مختلفة للدخل. فكما أنَّ زيادة الضرائب والرسوم سهلة، تجد أن أصحاب المصالح يستسهلون أيضاً رفع الأسعار، وعكس الأثر الضريبي في المستهلك، خاصة في السلع الأساسية والضرورية. الشاهد ممّا سبق، أنَّ تخفيف العبء الضريبي ومستوى الضريبة في الدول منافذه أكثر من مجرد تخفيض الضريبة، بل منفذه الأساس توسيع السوق، وزيادة الدخل، وحفز الاستثمار، وتشجيع توسُّع المشاريع القائمة. ويأتي من ضمن ذلك، وعلى رأسه، تحفيز وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخاصة في الاقتصادات ذات التركيبة السكانية الشابة، مثل الاقتصاد الأردني. فالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بل ومتناهية الصِّغر، تعدُّ اليوم من أهم مصادر زيادة الدخل للشباب، وهي أيضاً من أهم مخارج رفع مستوى الدخل في الدول.

 ولعلَّ المطلوب هنا، وبشكل أساسي، وبعد أن تم الإعلان رسمياً عن عدم التوجه لمزيد من فرض الضرائب والرسوم، هو توفير التمويل المناسب لزيادة حجم تلك المشاريع في الاقتصاد الوطني، وزيادة دورها في التنمية المتوازنة في المحافظات والمناطق المختلفة. وجود صندوق سيادي لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، على أن يكون من ضمن مهامه البحث عن رؤوس أموال مُضَارِبَة لتمويل واغتنام بعض الفرص الريادية الابتكارية التي ستتولد عن تلك المشاريع، هو أمر قد يؤدي إلى تدفق مئات الملايين من الاستثمارات داخل الدولة نحو مشاريع صغيرة بسيطة، بدأت بأفكار ريادية متميزة. والفيس بوك، والواتساب، وأوبر، وكريم، جميعها مشاريع بدأت من المنازل، ومن مختبرات الجامعة، ولكن قيمتها اليوم بمليارات الدولارات. أما على مستوى المشاريع الأخرى، فإنَّ الثقافة يجب أن تتغيَّر قليلاً نحو إيجاد الأسواق الجديدة، والتوسُّع في السوق المحلي، ونحو إيجاد مصادر دخل إضافية، قبل أن نركز فقط على عكس أثر الضريبة على المستهلك، فكلما تأثَّر دخل المستهلك بزيادة الأسعار، قلت إمكانياته في الصرف، ما يعني تراجع أرباح وعوائد الشركات، ما يجعل الأثر السلبي للضريبة على أصحاب الأعمال ثنائياً؛ أثراً بسبب الدخل، المتأثر بزيادة الضريبة، وأثراً بسبب الاستهلاك، أو البحث عن سلع بديلة، نتيجة رفع الأسعار وعكس الأثر الضريبي في أسعار تلك السلع. يبقى الدور النهائي دوماً على صانع القرار في مساعدة القطاع الخاص، وقطاع الشباب الريادي، في مجالات توفير التمويل، أو تسهيل توفيره، وفي مجال فتح الأسواق، أو على الأقل توفير المعلومة حول تلك الأسواق، وفي مجال تحفيز رؤوس الأموال المستثمرة والمُضارِبة كي تَلِج إلى الاقتصاد، وكي تجعل الاقتصاد على خارطة الاهتمام، وهو أمر يتطلب سياسات استثمارية مُحفزة ومشجعة، ويحتاج إلى شراكة حقيقية وتواصل دائم بين جناحي الاقتصاد؛ القطاع العام والخاص.

التعليقات مغلقة.