صحيفة الكترونية اردنية شاملة

بيع الكروكا: اتجار غير مشروع يمارس جهارا نهارا

عائشة عناني – بترا

أقر منخرطون في مخالفة القانون والشرع بمضيهم في استدراج المتضررة مركباتهم من الحوادث، الى شرك بيع الكروكا، وهو ما ترجعه اطراف عدة، الى حال الاستعجال التي يعيشها صاحب المركبة المتضررة، فضلا عن الظروف المعيشية الصعبة. فروّاد “الفيسبوك” يقرأون عادة اعلانات فجّة على شاكلة “نشتري الكروكا بأفضل الأسعار”.. في قصة، أطرافها متشعبة، كل واحد منها يفضي للآخر وفي حلقة تثير علامات استفهام كبيرة، اذ لا إجابات شافية لها: كان أحمد يحرك سيارته ليذهب إلى عمله، ولحظة بروز مقدمتها صوب الشارع، صدمتها سيارة مسرعة ما أدى الى الحاق أضرار جسيمة بها. قدم شرطي السير الى مكان الحادث لتسجيل كروكا، وفجأة يتلقى أحمد، مكالمة من محام: “ما رأيك بأن أدلّك على أفضل مكان لإصلاح سيارتك بالسرعة القصوى وعلى حسابي، مقابل أن تتنازل لي عن الكروكا وتوكلني بإجراءاتها مع شركة التأمين”، ثم التقى أحمد المحامي وذهبا إلى “كراج” تصليح السيارات إيّاه حيث قُدِّرت قيمة الضرر بـ 300 دينار دفعها المحامي فورا لأحمد الذي وقّع على تنازل عن الكروكا، وذهب كل منهما في حال سبيله.

تفصيلا، يسرد عضو الاتحاد الأردني لشركات التأمين ومدير عام الشركة المتحدة للتأمين عماد الحجي، قصة الكروكا بقوله “إن ما يحدث لاحقا هو أن المحامي يقوم برفع دعوى ضد شركة التأمين ويحصّل منها مبالغ تفوق القيمة الفعلية للضرر بنحو 110 بالمئة يحتفظ بها لنفسه أو يتقاسمها مع شركائه!”.

لكن المحامي الدكتور محمد سعيد السمهوري، يشير إلى وجود شركاء إضافيين كبعض أصحاب “كراجات تصليح السيارات” وسماسرة مختصين بالحوادث ومفتعليها.

وأضاف، “في النصف الأول من تموز الماضي سجلت نحو 5200 دعوى تأمين في محكمة صلح عمان وحدها أي ما تتراوح نسبته ما بين 55 – 65 بالمئة من الدعاوى كاملة”.

أما عماد الحجي فيقول، إن شركات التأمين هي المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة من ناحية زيادة الكلفة غير المبررة والمبالغ فيها عليها، نتيجة ممارسة هذا النوع من “الجرائم” على حد تعبيره، مشيراً إلى أن بعض شركات التأمين أفلست وأغلقت أبوابها بسبب إرهاقها مادياً بهذه القضايا وخسارتها، لافتا الى أن شركته دفعت العام الماضي نحو مليون وخمسمئة ألف دينار لمحامين عن قضايا سيارات ومعظمهم أسماء مكررة.

أحد أصحاب كراجات تصليح السيارات، يتعاون مع أحد المحامين قال، ” أنا بدوري عندما يأتي إليّ شخص تضررت مركبته بحادث سير، أعرض عليه فوراً أن يوكّل محامياً بعينه ليقوم بملاحقة شركة التأمين قضائياً مقابل أن أصلح له سيارته، فإذا وافق، أطلب منه التوقيع على وكالة تنازل، ثم أبدأ فوراً بإصلاح الضرر، وعندما يُحصّل المحامي قيمة الضرر نتقاسمه بنسبة معينة لكل منّا”.

ويؤكد نقيب المحامين مازن رشيدات أن هذا الفعل مخالف لقانون النقابة وقد تصل عقوبة المحامي بسببه إلى شطب عضويته من النقابة وسجل المحامين، مضيفا أن النقابة تتعامل مع شكاوى المواطنين بهذا الخصوص بجدية تامة.

وكانت دائرة الافتاء أصدرت فتوى في عام 2016 تحرم فيها على مالك السيارة بيع الكروكا لشخص آخر وتنص على أن “التعويض الذي يستحقه مالك السيارة المتضررة من شركة التأمين دَين على الشركة أو المتسبب بالضرر، ويحرم على مالك السيارة بيعه لشخص آخر حتى لو كان بالاتفاق بين صاحب السيارة والمشتري”.

وأضافت، ان ذلك يعود لأسباب عدة منها أن بيع الدين يعني الوقوع في الربا؛ لأنه “بيع مال آجل بمال عاجل، وشرط مبادلة المال بالمال التقابض، وأن المبيع مجهول، لا يعرف مقداره وقيمته، وشرط المبيع في الشريعة الإسلامية أن يكون معلوماً، إضافة إلى الغرر؛ فالمشتري قد يربح وقد يخسر بسبب هذا العقد، ولا يجوز الدخول في بيوع الغرر”.

وبيع الغرر، حسب معجم المعاني، هو ما دخلته الجهالة سواء أكان في الثمن، ام في المبيع، ام في الاجل، ام في القدرة على التسليم.

موظف سابق في إحدى شركات التأمين قال إن الخطأ في الأساس يكمن في معاملة بعض شركات التأمين للمواطنين بطريقة غير لبقة ومنفرة في كثير من الأحيان، ما يضعف الثقة بين الطرفين، إضافة إلى الاجراءات الطويلة والتقديرات التي تكون في بعض الأحيان أقل من القيمة الفعلية للضرر الواقع على السيارة.

وهذا أحد الاسباب التي تؤدي – وفقا للمحامي السمهوري – الى عدم توجه المتضرر لشركة التأمين مباشرة، اضافة الى قناعته بعدم جدوى التوجه للشركة بسبب تجارب سابقة قد تكون سيئة، أو لاستيفائه تعويضات سريعة من المتسبب بالحادث أو من مستأجر السيارة في حال كانت سياحية، أو لعلمه المسبق بوجود أفراد وجماعات منظمة تدفع تكاليف الإصلاح مقابل توكيل المحامي أو ما يعرف عامة بشراء الكروكا أو الحادث.

ووفقا لعضو اتحاد شركات التأمين عماد الحجي،” فإن المشكلة الأكبر تقع في محافظات الشمال، إذ ان 60 بالمئة من الحوادث التي تقع هناك تذهب عوائدها إلى محامين بطريقة أو بأخرى.

وقال، إن هناك ما يشبه المافيا تحول دون وصول شركات التأمين للمتضرر أولاً، ومن ثم تتعاون مع عناصر العملية كاملة حتى أخذ التعويض من شركة التأمين وفقا لما تقره المحكمة ويقدره الخبير الفني.

كما ان “بعض الخبراء هم أصحاب محال لإصلاح السيارات، وبعضهم لا علاقة له بالتقييم الفني للحوادث وتقدير قيمتها”.

وطالب الحجي بوجود إجراء أو تشريع يجبر المواطن على مراجعة شركة التأمين بالدرجة الأولى قبل اللجوء الى القضاء، وضرورة اعتماد خبراء مرخصين ومؤهلين من قبل وزارة الصناعة والتجارة في المحاكم، وإقرار قانون التأمين الموجود لدى ديوان التشريع والرأي منذ سنوات طويلة جداً.

السمهوري أوصى بإيجاد تشريع ملزم لجميع الأطراف يتواءم مع الاحتياجات الحالية ويشرك سائق ومالك المركبة في الدعاوى، إضافة إلى تضمين تقرير الحادث فوراً عدد الحوادث السابقة المسجلة على المركبة وعلى السائق والمتسبب بالحادث.

وأضاف، “يجب إيجاد آلية أو جهة تعمل فوراً في مكان الحادث على تقييم الضرر وكلفته، وضرورة وجود مندوب لشركة التأمين أثناء كتابة التقرير في مكان الحادث جنباً إلى جنب مع شرطي السير”.

وبحسب التقرير السنوي للحوادث للعام الماضي الصادر عن إدارة السير فقد وقع 150398 حادثا مروريا تقدر كلفة أضرارها المادية بنحو 313 مليون دينار، أما ملكية المركبات في المملكة فقد ارتفعت مقارنة بعدد السكان من مركبة واحدة لكل 58 شخصاً في العام 1971 إلى مركبة واحدة لكل 6 أشخاص في العام 2018.

التعليقات مغلقة.