صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من تاريخ العراق السياسي بقلم: خالد القشطيني

ربما سيبتسم القارئ الكريم ابتسامة ساخرة من هذا العنوان، أو يتصور أنني أنوي إعادته إلى أيام سومر قبل نحو أربعة آلاف سنة. كلا. ليس كل هذه المسافة. بل أقصد إعادته لما يتجاوز نحو قرن واحد، أو بالأحرى إلى الثلاثينات والخمسينات. لم تكن هناك انتخابات بالمعنى الذي نفهمه. ولكن كانت هناك مجالس أكثرها من تعيين الحكومة. استمر هذا الحال إلى الخمسينات. ولكن من المفيد أن نسترجع شيئا من صفحات ذلك التاريخ.
كان المسؤولون يجلون المثقف الواعي رغم اختلافهم معه ولكنهم كانوا يصغون لمطالعاته والتشاور معه. وفي بعض المناسبات كانت تضطر الحكومة لحل المجلس وإجراء «انتخابات» جديدة. لم ينحصر هذا التشاور بين جدران قاعة البرلمان. كان الكثير من المناقشات يجري في البلاط الملكي بحضور الوصي على العرش. كانت الحكومة كثيراً ما تدعو ممثلي المعارضة لحضور هذه المناقشات.
من هذه الجلسات الاستشارية ما جرى في البلاط عام 1952 بما عرف فيما بعد بمؤتمر البلاط. حدث ذلك بعد المظاهرات الشعبية التي أدت لسقوط الحكومة. وكان من طلبات تلك المظاهرات تعديل قانون الانتخابات بما يضمن الحصول على مصداقية أكبر للمجلس.
استجابة لذلك تم عقد مؤتمر البلاط الذي أشرت إليه. دعي إليه رؤساء الأحزاب السياسية، كامل الجادرجي، رئيس الحزب الوطني الديمقراطي، ومحمد مهدي كبة، رئيس حزب الاستقلال، طه الهاشمي وصالح جبر ونوري السعيد ومصطفى العمري وحكمت سليمان وسواهم. وترأس الاجتماع الأمير عبد الإله.
طالب ممثلو المعارضة بتعديل قانون الانتخابات بحيث ينتخب الجمهور نوابهم بصورة مباشرة، وليس على درجتين. اعترض على هذا الاقتراح توفيق السويدي الذي قال في خطاب طويل، إن الشعب ما زال متأخراً وجاهلاً. وراح يعطي أمثلة من تصرفات الجمهور المتخلفة. احتج الآخرون على ذلك بشدة واعتبروا كلامه إهانة للشعب العراقي. طالبوا السويدي بسحب كلامه والاعتذار عنه.
ثم تكلم طه الهاشمي، رئيس حزب الجبهة الشعبية، فانتقد طريقة اختيار الوزراء وفرضهم على السلطة. قال: هذا سبب الفساد والمشاكل في البلاد. أثارت كلماته الأمير عبد الإله، الوصي على العرش فقال إنه كان يقترح الأسماء لا غير. قال: لماذا تلتزمون باقتراحاتي. اللوم عليكم. احتدمت عواطف الحاضرين فتلاقفوا التهم يكيلونها لبعضهم البعض بما اضطر البعض إلى الخروج من غرفة الاجتماع. جمع طه الهاشمي أوراقه وهم بالخروج بعد أن اتهموه بالكذب، بيد أن الأمير عبد الإله أهاب به أن يجلس ويواصل الاجتماع. عاد للاجتماع غير أنه لم يلبث أكثر من دقيقة واحدة حتى قام ثانية وغادر الجمع. ولحقه آخرون.
كان مؤتمر البلاط هذا واحداً من الاجتماعات العديدة التي كانت تعقد خارج البرلمان وتجري فيها مشاورات ومناقشات بقدر كبير من الحرية وتبادل الأفكار. كانوا يختلفون في طروحاتهم ويلتقون في سعيهم لتطوير البلاد. الشرق الاوسط

التعليقات مغلقة.