صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حكومة الإنقاذ وتغيير النّهج

تتفاوت التّعريفات وفقاً لطبيعة وخلفيّة المُطالبين بالمُصطلحين أعلاه ، لكنّ المفارقة أنّ أبرز المواضبين على إستخدامها هم من فرقة المعارضين الخارجين من السُّلطة أو – المُخرَجين منها – بعبارةٍ أدقّ سواءً التنفيذيّة أو التشريعيّة أوكلتيهما أحياناً .

وهنا يظهر الفارق في الإختلاف البَيِّن بين مقصود قوى الشارع المطالبة بأسُسٍ غير تقليديّة في تصعيد الكفاءات وأُخرى ترغب بإحتلال منابر تلك الجموع لكنها في واقع الحال ترغب بالإبقاء على ذات الأسس التي كانت سبباً في تصعيدها هي أي أنها سببٌ رئيسيّ في شكاية الفريق الأوّل ، وكيف للشاكي أن يقبل بالإصطفاف خلف المشكوّ منه ؟ وهل يفيد تبديل الجلد في تغيير المضمون ؟

ورغم أنّ عنوان معظم السّيَر الذاتية للفريق الثاني المعارض هو النخبويّة السياسيّة ، إلّا أن قرائته للمشهد قد تخلو من أفقٍ سياسيّ أو عمقٍ بكلِّ أسف ، فالشعارات الرنّانة الفضفاضة واللّهجة القاسية أحياناً هي من بعض أدوات التّأثير السّياسيّ ووسائله لقيادة قوى الشارع لكنّ طرح البرامج والحلول المنطقيّة هي الأصل ، وإنّ العوامل الضامنة لنجاح الغاية مرهونة بإدراك حقيقتين سياسيّتين تاريخيّتين ، فما السّياسة إلّا تاريخُ أُمَمٍ ودروس مستفادة .

الحقيقة الأولى ، أنّ قيادات الشارع الناجحة تكون في الغالب الأعمّ بعيدة عن السِّيَر الذاتيّة المجرَّبة في مضمار السُّلطة ، والإستثناءات الوحيدة على هذه القاعدة كانت لشخوصٍ تعرّضوا إمّا لظِلمٍ أو إقصاءٍ دفعوا من خلاله ثمناً لمواقفهم المستقيمة أو لم يحظوا بالفُرصة الكاملة -وعادة ما يُنصَفُ هؤلاء في الأردنّ ولو بعد حين – ، أمّا من إستفاد من التوريث أو الجغرافيا أو النّفوذ العشائريّ لإحتلال موقعه في السُّلطة التنفيذيّة أو سبق للجموع وأن حملته لقبّة البرلمان فكان أداؤه دون الطموح ولم يفلح بالعودة إليها فلا فرصة له في قيادة الشّارع من جديد ، وهذه هي الحقيقة الثانية .

فالتّبديل سُنّة الشارع ، وحتّى إذا كانت البوصلة ضائعة أو إضمحلّت الخَيارات في صفوفه الأولى فإنّهُ لا يُقاد من ذات العرّابين مرّتين ، سواء وصلوا إلى غايتهم جزئيّاً أو كُلّيّاً أم لم يصلوا ، وإن الإستثناءات أيضاً على هذه القاعدة في تاريخ العالم السّياسيّ محدودة وإرتهن بعضها إمّا بإستغلال جموع من الشعوب الضعيفة فكريّاً سهلة التغرير بها ، أو عبر إستغلال إستبداد السُّلطة ودمويّتها ، ولا وجود للعاملين سالفَيّ الذّكر على الساحة السياسيّة الأردنيّة .

وعلى تلك النخب الطامحة أن تدرك كُلفة تغيير الخطّ السِياسيّ سواء العقائديّ أو الناتج عن تولّي السّلطة ثمّ معارضتها بعد خسارتها ، وقد عبّر عنه كثير من المفكّرين السياسيّين ومنهم الزعيم النازي ” أدولف هتلر في كتابه قصة كفاحي ” ، إذ بيّن كيفية خسارة السياسي لمؤيّديه بمجرّد إقراره ضمناً بعدم صواب مساره السّابق والإنقلاب عليه ، لعلّة عدم إمكانيّة ثقة الجموع بسداد رأيه وثبات موقفه في المستقبل ، وكما تنص القاعدة الفقهيّة ” من سعى في ردِّ ماتمّ من جهته فسعيه مردودٌ عليه ” ، وإنّ الإستدارة وتغيير المسارات في السياسة مقبولة فقط على مستوى القرارات المركزيّة الخارجيّة للدول كخارطة التحالفات وما يتبعها طالما أن غايتها الوصول إلى تحقيق أكبر المكاسب لحساب الأمن الوطنيّ والمصالح العليا للدولة ومواطنيها .

وأخيراً ، قد يكون في غياب الأحزاب البرامجية الفاعلة وسير رؤساء الحكومات نحو التكنوقراطية لدى إختيار الوزراء سببٌ في غياب الأفق السياسيّ وفقدان اللغة المشتركة مع الشّارع ما يسهم في تعميم وتوسيع الفجوة بينها وبين الجماهير ، وهو أمر بحاجة لمراجعة سنتناولها في مقال لاحق بعون الله .

والله من وراء القصد .

التعليقات مغلقة.