صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تعديل خامس.. أمر محرج

تعزيز شعور العدالة العامة مسألة في غاية الأهمية، وعدم الوصول الى إجابات واضحة في ملفات الفساد الكبرى التي حدثت في الفترات الماضية والتي تم إغلاقها عنوة وكأن شيئاً لم يكن

تحدثت بعض الأوساط غير الرسمية، مؤخراً، عن أن الرزاز ينوي إجراء تعديل وزاري هو الخامس على حكومته خلال الأيام المقبلة.
التعديل الرابع الذي كان قبل ثلاثة أشهر لاقى استياءً عاماً في الشارع والسلطة التشريعية، فالاعتقاد الراسخ هو أن رئيس الوزراء لا يحسن الاختيار، وأنه يعتمد على مجموعة معارف ضمن دوائر ضيقة جداً غير متعمقة في المجتمع ولا تملك قدرات الاتصال والإقناع والتحاور، لا بل إن غالبيتهم في صدام إعلامي مع الشارع لمجرد الظهور والتصريح، والمشاكل التي تحيط بهم مستمرة لدرجة أن بعضهم فعلاً بات مزعجاً في التعامل معه من قبل أي جهة كانت.
لا أحد يعلم جيدا ما هي الأسباب التي دفعت الرزاز لإجراء أربعة تعديلات وزارية أساساً، وكل ما تسرب هو أنه غير منسجم مع الطاقم الوزاري، لذا وجب التعديل.
لم تعالج التعديلات الوزارية الأربعة المشكلة الرئيسية التي تعاني منها الحكومة والمواطنون، وهي الثقة التي باتت معدومة بينهما، وصلت في بعض الأحيان إلى التشكيك في سلوكيات الدولة وخدماتها المختلفة، كما حصل في فواتير الكهرباء وغيرها من الأنشطة التي أثارت احتجاجات واسعة ضدها ولم تستطع الحكومة، مع كل أسف، إجراء حوار منطقي وعقلاني مقنع مع الشارع، وكان رد فعلها متأخراً وغير منسجم وأظهر عدم تنسيق بين الفريق الوزاري أيضاً.
التعديل الوزاري الخامس، إن حدث فعلاً، هو أمر محرج للغاية وتكرار للمشهد ذاته في التعديلات الأربعة السابقة، فلا أحد يعلم لماذا خرج ذلك الوزير، ولا أحد يعلم لماذا جاء ذلك الشخص وزيراً في الحكومة، والحقيقة أنه كان مفروضاً من رئيس الحكومة أن يؤسس لسابقة حضارية في التعديل الوزاري من خلال الانفتاح الإعلامي وشرح مبررات التعديل بشكل منطقي للشارع، والحديث بصراحة عن الأسباب الحقيقية للتعديل وتبيان حالة التقصير في الأداء الرسمي التي استوجبت التعديل.
للأسف بات التعديل الوزاري وشكله العام غير مقبولين، والتسليم به بات قضية صعبة، خاصة عندما يرى المواطنون أشخاصاً غريبين عنه بدؤوا يديرون شؤونهم وهم غير مؤهلين، وسُرعان ما تصل نقمة الشارع في هذا الشأن إلى أعلى مستوياتها، ناهيك عن أن التعديل الكثير على الحكومات هو أيضا حالة من عدم اليقين تظهر في الحكومة وتكون أقرب للتجريب، وتُظهر الحكومات بمظهر الضعف في الشارع ولدى مختلف الموسسات.
التحديات كبيرة أمام الحكومة حتى تلقى قبولاً في الشارع، وجدار الثقة لا يمكن أن يعاد بناؤه بين ليلة وضحاها، فالمواطنون معذورون في الكثير من تصرفاتهم، بسبب سياسات وإجراءات حكومية متراكمة على مدار عشرات السنين، أدت إلى غياب الثقة بالخطاب الرسمي، نتيجة ما آلت إليه الاوضاع الاقتصادية للمملكة عامة والمواطنين خاصة.
لكن حتى تستعيد الحكومة، وليس المقصود هذه الحكومة تحديدا، ثقة الشارع بالخطاب الرسمي، فإن هناك متطلبات أساسية تسبق كل شيء، ومنها تعزيز دولة القانون وإنفاذه على الجميع، وهذا لا يحتاج إلى تعهد إعلامي، وإنما إلى ممارسة فعلية يلتمسها المواطن في كل مناحي حياته اليومية من تعيينات وخدمات وتعامل مع الأجهزة المختلفة، ومحاربة الواسطة والمحسوبية اللتين نخرتا جسم الدولة.
لا يمكن للحكومة أن تستعيد ثقتها طالما بقيت قضايا الفساد حديثا إعلاميا لا غير، فالأصل أن تكون هناك محاكمات علنية، واسترداد أموال الخزينة من القضايا التي تعصف بالاقتصاد الوطني.
تعزيز شعور العدالة العامة مسألة في غاية الأهمية، وعدم الوصول الى إجابات واضحة في ملفات الفساد الكبرى التي حدثت في الفترات الماضية والتي تم إغلاقها عنوة وكأن شيئاً لم يكن، مثال واضح على أن التعهدات الحكومية بتحقيق العدالة تحتاج إلى ترجمة فعلية على أرض الواقع أكثر من تعديل وزاري بات مادة إعلامية للسخرية والسخط الشعبي.

 

 

[email protected]

(نقلاً عن الغد)‎

التعليقات مغلقة.