صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الاصلاح الاداري … … متى نعمل ؟؟؟

0

لا يكفي على ما يبدو استمرار النخبة الأردنية بـ “هزّ الرأس” أمام الحديث عن الاصلاح الاداري، والذي يأتي اليوم من رأس الهرم في الدولة الأردنية، كما لا يكفي بطبيعة الحال العمل على هذا النوع تحديدا من الاصلاح بصورة تقنية وفنّية خالصة عبر خطط تطوير القطاع العام وغيرها.

جلالة الملك عبد الله الثاني اجتمع قبل ايام بالمسؤولين عن خطة تطوير القطاع العام، بصورة تظهر بوضوح رؤيته لأولوية هذا النوع من الإصلاح، وهو أمر لا تختلف عليه النخبة عمليّاً ولا حتى المواطنين، مرورا بالموظفين العامّين في قطاعنا العام ومؤسساته. إلا أن الاتفاق على ضرورة الاصلاح الاداري في مؤسساتنا لم يمنح هذه الخطوة أبدا أي أولوية في التنفيذ، كما لا أعتقد شخصيا أن الاصلاح الاداري الذي نطمح إليه قد يكفيه الحديث عنه وإعداد الخطط له.

ونحن نتحدث عن الاصلاح الاداري وتطوير العملية الادارية في مستويات العمل العام، نجد لمرّة نادرة ما نتفق عليه جميعاً بعكس ما يحصل من جدل واختلاف كلما تحدثنا عن الاصلاح السياسي أو الاقتصادي وغيرهما من الاصلاحات الجدلية في البلاد؛ وهذا بحدّ ذاته يحتاج منّا التفكير أكثر بآليات تعظيم الاتفاق والتوافق.

كل من عمل في القطاع العام يعلم تماما ما يعانيه القطاع من اشكالات وضرورات تقفز بأولوية إصلاحه إداريّاً لتتجاوز أحيانا أولوية الاصلاح الاقتصادي وحتى السياسي في البلاد، إلا أن التصوّرات على الأغلب تصطدم بالواقع فتارة تجد نفسها أمام مسؤولين مرعوبين وواسطات ومحسوبيات وشللية متغلغلة في القطاع، وتارة أخرى أمام باتفاقات “تحت الطاولات” بين كبار الاسواق والقطاع العام وغيرها الكثير من العقبات التي نعرفها تماماً ويعرف بعضها كل من مرّ يوماً بالقطاع العام، ليظهر أن الأزمة الحقيقية في البلاد ما هي إلا أزمة “مواطنة وانتماء” على تعقيداتها وبساطتها معاً.

أزمة المواطنة والانتماء في القطاع العام، تعبّر عن نفسها بغياب مفهوم أساسي وضروري كمفهوم “الخدمة العامة”، والذي لو ظهر عمليّا في نفوس كل موظف عام لما وصل القطاع العام للتهتك الذي وصلت اليه بعض مؤسساته، فمفهوم الخدمة العامة الذي يعني “تسهيل الدولة حياة الأفراد المقيمين فيها” يفترض أن يعيه كل موظف عام يعمل في هذه الدولة من جانبين أساسيين.

أولا: على الموظف العام أن يشعر بكل الاحوال انه يمثّل الدولة، الدولة التي لا تميّز بين أبنائها ولا تحابيهم ولا تراهم أنداداً لها، فيتحول الموظف العام من شخص يتكسّب من عمل لا يعنيه، إلى شخصٍ يؤدي واجبا عظيماً ومسؤولياته جمّة فهو يعكس وطنه ويظهر قيمه، وهذا ما ينقلنا للجانب الثاني. فالجانب الاخر من مفهوم الخدمة العامة المفترض ان ينغرس لدى الموظف العام هو ان دوره تطبيق القوانين بما يسهّل حياة متلقي الخدمة، وليس تحويل حياة هؤلاء لأصعب مراحلها الممكنة.

بوعي وتنمية مفهوم الخدمة العامة لدى العاملين في القطاع العام، وتحويل الموظف من “آلة حاسبة” للعائدات وساعات العمل، إلى جندي بشوش بثياب مدنية في وطنه يعكس صورة بلاده حيث هو كما يذود الجندي عن روحه على الحدود، فقط بهذه الحالة يمكن أن نجد البيروقراطية بمعناها السلبي تذوب وتختفي لتحلّ محلّها الانتاجية والانجاز.

طبعا ما ذكرناه لا يعفي القطاع الخاص من كل الاشكالات المذكورة ولا يستثنيه، سواء في مجال الانتماء وتقديم الخدمة او الشللية والمحسوبية، كما ينسحب على القطاع الخاص ايضا وخصوصا في شركاته الكبرى والمقدّمة للخدمات الهامّة للاردنيين كل ما قلناه عن ضرورة تعزيز الموظف وتغيير ميكانيزمات تفكيره، وهذا- إن حصل- يحوّل الأزمات المتتالية بين القطاعين لتنافسية شريفة ونظيفة بينهما تنعكس ايجابا على متلقي الخدمات فتنعكس على ادائهم ثم انتمائهم لوطنهم.

بالنظر إلى ما سبق، نجد أن الإصلاح الإداري المطلوب للمرحلة ما عاد مجرد إصلاح شكليّ تهيّء الفرصة له سلسلة خطط وقوانين، ولا يمكن أن ينجز فقط عبر الإرادة السياسية وغطائها الذي وفّره جلالة الملك خلال حديثه عن تطوير القطاع العام، بل نحن اليوم نحتاج لإصلاح شامل لكل المستويات يكون نتاجاً لعمل توافقي يقوم عليه جميع الأطراف في المعادلة، لذلك فأردننا يحتاج لمبادرات تتمحور أولا حول “الفرد” ثم المجتمع وأخيرا تنتقل بالعدوى الثقافية إلى الدولة وأجهزتها. فمسألة الخدمة العامة هي اليوم “ثقافية وطنية” بامتياز، وهذا يفسّر الكثير من الفشل الذي عايشناه في مشاريع الإصلاح التي تبدأ من رأس الهرم.
مفهوم “الخدمة العامة” الغائب عن كل تفاصيل العملية الإدارية، هو أساس الإصلاحات المنشودة، لذا فعلينا أن نبدأ بالموظف العمومي الذي ينبغي ان يتجاوز مسألة الوقت والوظيفة لكي يؤمن بان ما يقوم به هو خدمة وطنية عامة لا علاقة لها براتبه فقط ولكن بتحسين البيئة في وطنه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.