صحيفة الكترونية اردنية شاملة

“كورونا” يفتك بالاقتصاد.. المشهد خطير

مشهد مقلق لا يمكن لأحد تصور نتائجه، وهو ليس محصورا بالمملكة، فكل دول العالم مشغولة بمكافحة “كورونا”، ونحن جزء من هذا العالم.

لا أبالغ إن قلت إن ما يتعرض له الاقتصاد الوطني جراء تداعيات وباء “كورونا” قد يكون الأسوأ والأخطر منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، فحتى الحروب لا يمكنها أن تعمل ما يعمله هذا الفيروس الشنيع في تدمير القطاعات الاقتصادية وتعطيل عجلة الإنتاج وتوقف الأنشطة الاقتصادية.

لا يوجد قطاع لن يتضرر من فيروس كورونا، والخطورة المقبلة ستكون إذا ما استمرت الحالة الراهنة على ما هي عليه لفترات طويلة لا سمح الله، حينها ماذا سيحدث للاقتصاد؟

امتداد حالة توقف النشاط الاقتصادي وجمود حركة الاستهلاك يعني أن الدورة الاقتصادية ستشهد انعكاساً سلبياً خطيراً، نتيجة توقف تحصيلات المالية للخزينة، وهنا نتحدث بصراحة، الخزينة بحاجة الى 580 مليون دينار شهرياً لضمان دفع رواتب العاملين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين، والمبلغ يزيد على هذا الرقم بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص الذين يناهز عددهم المليون عامل في مختلف القطاعات، وبالتالي توقف أو تراجع التحصيلات الضريبية والرسوم المختلفة من جمارك وضرائب وغيرها يعني أن الحكومة ستواجه عجزاً خطيراً في تلبية سداد رواتب العاملين لديها لا سمح الله اذا استمر الوضع لفترات أطول من التقديرات.

الأمر لا يقتصر على تمويل نفقات القطاع العام، فالقطاع الخاص لن يقوى هو الآخر على الاستمرار في المشهد ذاته بتلبية احتياجاته التمويلية المختلقة، خاصة التشغيلية منها وهو متوقف عن الإنتاج والعمل، حينها لن يقوى على الاستمرار بمواجهة الخسائر التي ستحيط به من كل جانب، وقد يلجأ، وهذا خيار مفتوح ومنطقي، لتسريح العمالة لديه، وهو ما سيرفع من معدلات البطالة بشكل كبير من جهة، ويوقف التعيينات في القطاعين من جهة أخرى.

القضيتان السابقتان من استدامة الرواتب والوظائف في حال تفاقمها سيكون لهما آثار اجتماعية سلبية كبيرة في المجتمع في حال لم تنحصر موجة الوباء، وقد تشهد أسعار السلع الرئيسية وغيرها ارتفاعات مختلفة يصاحبها شح في المديين المتوسط والبعيد إذا استمر الحال على ما هو عليه.

حتى قدرة الدولة على الاستمرار في سداد التزاماتها المالية من الديون الخارجية والداخلية ستتعطل في حال امتداد الوباء لفترات طويلة، والكل يعلم جيدا أن هناك ما يقارب الـ1.254 مليار دينار تدفعها الخزينة سنوياً للدائنين الدوليين المختلفين، والديون الداخلية تناهز الخمسة مليارات دينار تصدرها الحكومات سندات بواسطة البنك المركزي لن تكون متاحة للحكومة لاستخدامها، وبالتالي سيكون مشهدا مقلقا للغاية في علاقة الأردن مع المانحين.

أرقام قانون موازنة 2020 وفرضياته المختلفة كلها باتت اليوم حبرا على ورق، فالموازنة ضربتها بعرض الحائط بعد توقف التصدير وإغلاق المعابر البرية والبحرية والجوية وتوقف الطيران والنقل وحركة الإنتاج الصناعي في أدنى مستوياتها وتراجع الإيرادات وغيرها، وكلها أمور غيّرت من هيكل قانون الموازنة ولخبطت أوراق المالية العامة التي سخرت إمكاناتها اليوم لمواجهة “كورونا”.

الخطر الأكبر الذي يحيط بالاقتصاد الوطني هو عدم قدرته على الحصول على منح استثنائية طارئة تساعده على تجاوز الأزمة التي تفتك باقتصاده، لانشغال كل دول العام بمواجهة هذا الوباء العالمي، حينها سيكون الأردن أمام سيناريوهات صعبة من دون مساعدة المانحين والمؤسسات الدولية، فالمملكة لا يمكن لها تلبية احتياجاتها التمويلية لمواجهة تداعيات الوباء من دون مساعدة الآخرين له.

مشهد مقلق لا يمكن لأحد تصور نتائجه، وهو ليس محصورا بالمملكة، فكل دول العالم مشغولة بمكافحة “كورونا”، ونحن جزء من هذا العالم.

 

[email protected]

(نقلاً عن الغد)

التعليقات مغلقة.