صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الجائحة والعمال

يمكن التفكير جديًا في المرحلة الحالية بتشكيل فريق وطني من كافة أصحاب المصلحة يضم الحكومة ونقابات العمال وغرف الصناعة والتجارة للخروج بالآليات والبرامج المناسبة للحفاظ على العمال في أماكن عملهم

صرّحت منظمة العمل الدولية منذ أيام قليلة بأن التقييم المبدئي لتأثير وباء كورونا على العمالة في العالم سيكون كبيرًا وسيترك آثارًا بعيدة المدى، إذ سيلقي بالملايين إلى البطالة والعمل الجزئي والفقر، وهو ما يتطلّب تدابير فورية ومدروسة.

نصحت المنظمة أيضًا إلى اتخاذ إجراءات استباقية تتضمّن توسيع الحماية الاجتماعية، ودعم استبقاء العاملين في وظائفهم، واستهداف المنشآت المتوسطة والصغيرة بالإعفاءات الضريبية والإقراض، والدعم المالي لقطاعات اقتصادية محددة تضررت بشكل كبير.

كما بيّنت المنظمة بأن الجائحة يمكن أن تزيد أعداد المتعطلين في العالم بنحو 25 مليون شخص، وسيؤدي ذلك إلى خسائر كبيرة في دخل العاملين تقدر في حدها الأعلى بحوالي 3.4 تريليون دولار أمريكي مع نهاية عام 2020 مما سيؤثر أيضًا على الأعمال والاقتصاد.

بهذا الصدد بادرت العديد من دول العالم للتجاوب مع الأضرار المتوقعة على العاملين فأعلنت بريطانيا من خلال وزير المالية إطلاق “برنامج الاحتفاظ بالوظائف لمواجهة كورونا” والذي يقدم تحويلات للأعمال تصل إلى نسبة 80% من دخول العاملين مقابل الاحتفاظ بهم بدلًا من التسريح، ويحق لجميع الأعمال في كافة القطاعات الاستفادة من هذا البرنامج، ومن المتوقع أن يساهم هذا الإجراء الاحترازي في الاحتفاظ بحوالي 800 ألف عامل في أماكن عملهم، وبتكلفة قد تقترب من 78 مليار جنيه أسترليني.

في الولايات المتحدة بين البيت الأبيض توفير مبلغ من الممكن أن يصل إلى 1 تريليون دولار لتقديم تدخلات لتجاوز التأثيرات الاقتصادية لوباء كورونا، سيخصص منها ربع تريليون دولار كتحويلات مالية مباشرة للأفراد، كما سيتم التركيز على قطاعي النقل الجوي والفنادق ضمن هذه البرامج.

دول أخرى صمّمت برامج أكثر ابتكارية، ففي السويد ومن خلال مُلحق طارئ للموازنة قامت الحكومة برصد 31 مليار دولار، سيذهب جزء منها لبرامج التسريح المؤقت “Short-term Layoffs” بحيث يتم تقليص رواتب العاملين إلى النصف من قبل الشركات أثناء فترة التسريح وتتحمّل الحكومة الجزء الآخر من الراتب ليحصل العاملون على ما يقترب من 90% من أجورهم.

أما فرنسا فأتاحت للعمال الذين تم تسريحهم مؤقتًا من قبل أرباب عملهم بسبب أزمة الفيروس أن يطالبوا بإعانة جزئية من البطالة “Partial Unemployment Benefit” تعادل 84٪ من أجورهم، ويُلزم أصحاب العمل بإبقاء وظائفهم متوفرة لهم.

الأردن وباتخاذ الحكومة إجراءات احترازية حفاظًا على الأرواح ومع تباطؤ النشاط الاقتصادي في الكثير من القطاعات عالميًا وإقليميًا ومحليًا، فإن هذا سيلقي بظلاله على أصحاب العمل وقدرتهم على الاحتفاظ بالعاملين خصوصًا في قطاعات ستكون أكثر تضررًا كالنقل والسياحة.

تشير أحدث البيانات المتوفرة على موقع دائرة الإحصاءات العامة أن أعداد العاملين في نهاية العام 2017 في منشآت القطاع الخاص بلغ حوالي 831 ألف عامل وعاملة في جميع الأنشطة الاقتصادية، ما يقترب من 300 ألف منهم في أعمال توظف ما بين 1 إلى 4 عمال، ويُشغِل نشاط النقل والتخزين 16 ألف عامل، أما نشاط خدمات الإقامة والطعام فيعمل فيه 53 ألف عامل 24 ألفًا منهم في أعمال لا يتجاوز عدد موظفيها 4.

ستتطلّب الأيام القادمة النظر في كيفية إعداد برامج ومبادرات تسهم في الحفاظ على العمال في الأنشطة الاقتصادية الأكثر تأثراً، كما أن عمال المياومة في مختلف القطاعات الاقتصادية والمهن بحاجة إلى مصادر دخل مع توقف الأعمال، ومع شح الموارد المتاحة فإن هذا يشكّل تحديًا كبيرًا.

يمكن التفكير جديًا في المرحلة الحالية بتشكيل فريق وطني من كافة أصحاب المصلحة يضم الحكومة ونقابات العمال وغرف الصناعة والتجارة للخروج بالآليات والبرامج المناسبة للحفاظ على العمال في أماكن عملهم بالقدر المستطاع، وتأمين عمال المياومة ولو بجزء من الدخل للذين لا يستطيعون العمل في ظل الظروف الراهنة أسوة بالتدابير التي اتخذتها بعض الدول.

تفرض محدودية الموارد المتاحة خصوصًا المالية منها تحديات رئيسة للخروج ببرامج تدعم أصحاب العمل والعمال، ولهذا فمن الضروري جدًا تركيز وتضافر الجهود وعدم تشتتها عند تصميم برامج التدخلات المختلفة لتكون بأسس علمية تضمن إيجاد المخرجات ذات الأثر الملموس وتستهدف الفئات الأكثر تضررًا لتقدم سبل الحماية الاقتصادية والاجتماعية بالحد الأدنى، لحين انحسار الوباء ورجوع العجلة الاقتصادية إلى دورتها الطبيعية.

التعليقات مغلقة.