صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ما بعد الوباء… إستدامة البناء

بالرغم من مرور العالم بالعديد من الأزمات الكبرى خلال القرن الماضي، ومنها الحروب العالمية الأولى والثانية والأزمات المالية للأعوام 1929 و2009 وغيرها، إلا أن أزمة الجائحة الحالية تبقى غير مسبوقة من حيث سرعة انتشارها وتأثيرها الشمولي الكارثي والمدمر، صحة واقتصادا، على كافة دول وشعوب العالم دفعة واحدة. هذا يفرض على حكومات العالم اتخاذ قرارات سريعة مبادرة واستباقية مستندة على أرضية ضبابية وغير واضحة تماما من البيانات والمعلومات، والتي يمكن أن تمكنها من اتخاذ قراراتها بدرجة عالية من الموثوقية . فهكذا قرارات مصيرية تمس الإنسان وحياته بشكل مباشرعلى المديين القصير والبعيد في آن واحد. قرارات صعبة للغاية تحاول أن توازن بين حياة الإنسان على المدى القصير وحياته على المديين المتوسط والبعيد. فالقرارات التي تحفظ حياته وحياة أحبته على المدى القصير ستؤدي على الأغلب إلى جوعه وفقره، وأؤلئك الذين يحبهم، على المديين المتوسط والبعيد. فلو قدر للمرء مثلا أن يختار بين خيارين، أحلاهما مر. الأول فيه إحتمالية ضئيلة بأن يفقد الإنسان صحته وحياته أو من يحب خلال الأسابيع القليلة القادمة، والأعمار بيد الله وحده، وخيار ثان فيه احتمالية كبيرة بأن يفقد المرء صحته وحتى حياته، وأولئك الذين يحبهم، جوعا وفقرا خلال الأشهر والسنوات القادمة،، فأياهما عساه أن يختار؟؟!! هذه المعضلة تضع الحكومات أمام قرارات صعبة للغاية قد يؤدي بعضها إلى كسب المعركة على جبهة، ولكنها تؤدي إلى الخسارة على جبهة أخرى توازيها أهمية، مما يجعل هذه “المقايضة” بين حياة وصحة الإنسان الأن، وحياته وصحته بعد أشهر وسنوات أمرا في غاية الصعوبة على المستوى العملي والمستوى الإنساني والأخلاقي في آن واحد. هذه ليست مجرد “تفاصيل”، ف “الإقتصاد” هو ليس المادة، إنما هو “حياة الإنسان”، اليوم وغدا وبعد غد…

عند بدء الجائحة بالإنتشار، انقسمت الدول في استراتيجيات مكافحته. فبينما تبنت الصين استراتيجية صارمة لإغلاق المدن الموبوءة إغلاقا تاما، وحظر سكانها من الحركة لأكثر من شهرين في محاولة “تسطيح المنحنى” الصحي، آثرت معظم الدول المتقدمة في مجملها بداية، وقبل أن تصحو من غفوتها، اتخاذ القرارات الهادفة للمحافظة على اقتصادها على المدى المتوسط والبعيد، على تلك الهادفة للمحافظة على صحة أبنائها (وخاصة “الضعفاء” منهم) على المدى القصير. وقد وجدت بعض الإستثتاءات لذلك في كل من كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وكندا والتي بدأت باتخاذ إجراءات التباعد الإجتماعي والإغلاقات والحظر بشكل مبكر. كان لقصر النظر هذا وتفضيل الجانب الإقتصادي على الصحي والتأخر في اتخاذ الإجراءات الصارمة الكفيلة بحماية المواطنين أثر مدمر دفعت هذه الدول “المتقدمة” ثمنه غاليا من صحة شعوبها. يظهر ذلك حاليا جليا في إيطاليا واسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، وستبقى تدفع ثمنا باهظا له خلال الأشهر القادمة. بينما تبنت دول أخرى نامية (وعلى رأسها الأردن) سياسات مغايرة تماما (كالإغلاق التام والفوري للحدود والحظر التام والجزئي للحركة والتباعد الإجتماعي وبشكل ميكر). سياسات وإجراءات تضع صحة مواطنيها كأولوية، بغض النظر عن الثمن الإقتصادي الباهظ لذلك.

منحنى الجائحة الصحي ومنحناها الإقتصادي… و”تسطيحهما”: 

بالرغم من وجود فهم عام في العالم لأهمية “تسطيح منحنى الجائحة الصحي”، من خلال تبني سياسات التباعد المجتمعي والحظر والإغلاق، على تقليل أعداد الأصابات بالجائحة خلال فترة زمنية واحدة، وبالتالي إعطاء الوقت الكافي للأجهزة الطبية في الدولة للتعامل معها بنجاح، مما ينتج عنه التقليل من أعداد الوفيات. وبالرغم من وجود فهم عام للأثر السلبي لهذه الإستراتيجيات الصحية على الإقتصاد، إلا أنه لم يتوفر فهم واضح، من خلال نموذج موحد واضح ومفصل ودقيق ومترابط زمنيا، لعلاقة السياسات الصحية في الدولة مع سياساتها الإقتصادية، وبما يمكنها من اتخاذ حزمة من السياسات الصحية والإقتصادية المتوائمة مع بعضها البعض، والتي تمكن الدولة من إيجاد الحلول المثلى للمحافظة على صحة أبنائها ومستقبلهم في إن واحد وبشكل أمثل. 

دراسة للدكتور ريكاردو هاوزمان من كلية حون ف. كينيدي للإدارة الحكومية التابعة لجامعة هارفارد نشرت في 25-3-2020، قدمت نموذجا موحدا مترابطا زمنيا يوضح لصانع القرار العلاقة ما بين السياسات الصحية والإقتصادية في مواجهة الجائحة. وبالتالي يمكنه من اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت الملائم وبشكل يوائم ما بين التركيز على المحافظة على صحة المواطن على المدى القصير مع التخفيف من الإعباء السلبية الهائلة على الإقتصاد على المديين المتوسط والبعيد. يظهر النموذج بشكلي جلي ما يلي: 

1. منحنى “إنتشار الجائحة” (مع أو بدون “تسطيح”) يشكل إنعكاس مرأة عاموديا لمنحنى “الركود الإقتصادي” (مع أو بدون “تسطيح”) ويتناسب معه تناسبا عكسيا. قكلما زاد “تسطيح” المنحنى الصحي، زاد”انبلاج” منحنى” الركود الإقتصادي”، أي زاد سوءا على المديين القصير والمتوسط. وكلما زاد “انبلاج” المنحنى الصحي وزاد سوءا على المدى القصير والمتوسط، زاد “تسطيح” منحنى الركود الإقتصادي وقل أثره السلبي على المجتمع خلال تلك الفترة.

2. ألجائحة ستدخل العالم في حالة من الركود الإقتصادي على المدى القصير والمتوسط، سواء أتم “تسطيح” المنحنى الصحي أو لم يتم تسطيحه، إلا أن “تسطيح” المنحنى الصحي، ستجعل من الركود الإقتصادي أكثر حدة خلال تلك الفترة.

3. فخلصت الدراسة إلى وجوب قيام الدول وبشكل سريع وشمولي ومبادر باتخاذ إجراءات فورية لمحاولة “تسطيح منحنى الركود الإقتصادي” وبنفس الوقت مع جهودها “ل “تسطيح منحنى الجائحة الصحي”.

 

 

أثر الجائحة على الإقتصاد العالمي:

تقرير شهر آذار/مارس لشركة ماكنزي والذي عنون “حماية حياتنا ومعيشتنا”، أكد على ما أورده نموذج جامعة هارفارد على التبادلية العكسية بين “تسطيح منحنى الجائحة الصحي” مع “تسطيح منحنى الركود الإقتصادي”. حيث أوضح التقرير أن إجراءات ضبط الجائحة ستؤدي إلى انخفاض حجم الاستهلاك السلعي للمواطنين بحوالي 40%-50% والذي سيؤدي بشكل مباشر لانخفاض الناتج المحلي للدول بمعدل 10% خلال عام 2020، هذا بدون الأخذ بعين الإعتبار الإثار غير المباشرة لانخفاض الإستهلاك. وأعطى التقرير مثالا بأن حوالي 60% من العائلات الأمريكية تعتمد بشكل كلي على رواتبها الشهرية، وأنها لن تكون قادرة على زيادة نفقاتها الشهرية بمبلغ 400 دولار فقط نتيجة أية ظروف ومصاريف إضافية قاهرة (مثل المطهرات والكمامات والقفازات والطلبيات المنزلية غيرها) دون اللجوء إلى الإقتراض. متوقعا أن تؤدي الأزمة هذا العام إلى محو نسبة النمو 6% والتي تمكنت الصين من تحقيقها العام الماضي. ولكنه توقع أيضا بأنه إذا ما قامت الدول باتخاذ إجراءات فاعلة ل”تسطيح منحنى الركود الإقتصادي” وبأسرع وقت، فإن نسب النمو (منحنى الركود الإقتصادي) ستعاود للارتفاع نهاية هذا العام، لتصل إلى مستويات ما قبل الجائحة في نهاية عام 2021. تركزت توصيات التقرير على ثلاثة محاور رئيسة:

1. تقديم الدعم المالي المباشر للمواطنين لتمكينهم من تسيير حياتهم اليومية، وللمؤسسات الإقتصادية، وخاصة الصغيرة والمتوسطة، لتمكينها من النجاة خلال هذه الفترة الحرجة، وتفاديا لإفلاسها أو قيامها بتسريح معظم عامليها خلال الأسابيع والأشهر القادمة في أفضل الأحوال.

2. تجهيز وتنفيذ خطة للعودة للعمل بشكل آمن، مستندة لخطة لتقييم المخاطر للمناطق والمنشآت وتحديد الأولويات الإقتصادية، ووفق مواثيق وأدلة وإجراءات عمل صارمة لضمان السلامة للعاملين والمتعاملين في كافة القطاعات الإقتصادية (مشابهة لمواثيق السلامة العامة في المستشفيات والمختبرات الطبية والصناعات الدوائية) وتعد خصيصا لهذه الغاية.

3. تقديم الدعم للمؤسسات الإقتصادية لتسريع وتيرة الإنتاج الآمن بعد العودة للعمل من خلال تبني التقنيات الحديثة وأيجاد نماذج عمل وحلقات تزويد جديدة كلما أمكن ذلك.

معهد موديز للدراسات أصدر تقريرا في 20-3-2020 يوضح الأثر الإقتصادي للجائحة، حيث أوضح التقرير أن العالم سيواجه “تسونامي إقتصادي” ينتج عنها حالة شاملة من الركود الإقتصادي الحاد خلال الأشهر القادمة ويمتد أثره للعامين القادمين حتى نهاية عام 2021. أبرز ملامح هذا التسونامي:

1. تسريح 30%-50% من القوى العاملة في العالم خلال الأسابيع والأشهر القادمة.

2. أنخفاض النمو في الناتج المحلي الإجمالي في العالم ليصبح في المعدل -0.4 % (منطقة الاتحاد الأوروبي -2.7 %، المملكة المتحدة – 1.4%، الولايات المتحدة -0.5 % والصين +1.7 %). سيكون معدل النمو خلال الربع الثلني من 2020 حوالي – 4 % ويزيد تدريجيا ليصبح –0.4 % في نهاية العام الحالي، ويستمر بالزيادة التدريجية ليصل لحوالي 3.5% في نهاية عام 2021.

3. انهيار قيمة أسهم الشركات المساهمة العامة في العالم بأكثر من 30% خلال الأشهر الستة أشهر القادمة.

4. إنهيار أسعار النفط ووصولها إلى مستويات عام 2003 إلى ما دون 15 دولار للبرميل خلال عام 2020.

يستدل من كافة هذه الدراسات وغيرها بأنه على صعيد الإقتصاد الكلي، وعلى المدى المتوسط والبعيد، سيكون للجائحة أثر مباشر في ترجيح كفة الصين لقيادة العالم والاندماج به إقتصاديا، يقابله مزيد من الانكماش والانكفاء للداخل في كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي، مع وجود تهديد حقيقي لمستقبل الاتحاد في ظل بروز نزعة “أللهم نفسي” بين هذه الدول خلال الأزمة الحالية. كما سيبرز بوضوح فشل المؤسسات الإقتصادية والتمويلية الدولية في الاستعداد لهكذا أزمة والتخطيط لمثلها والتعامل معها بفاعلية وكفاءة. هذا كله سيؤدي إلى نوع جديد من العولمة سيكون محورها الصين وليس الولايات المتحدة الأمريكية.

على المدى القصير والمتوسط، سيكون للجائحة أثر سلبي كارثي على معظم القطاعات الاقتصادية في العالم ومن أبرزها قطاع السياحة بكافة مكوناته (فنادق ومطاعم ومراكز ترفيه ووكالات سياحة وسفر… إلخ) وقطاع النقل البري والجوي والبحري وقطاع العقارات وقطاع الصناعة (باستثناء قطاع صناعات الأجهزة والمستلزمات الطبية والصناعات الدوائية) والتجارة والخدمات المساندة (باستثناء خدمات التعليم والتدريب الذكي والإتصال والتواصل الذكي والتوصيل المنزلي) والقطاع المالي والمصرفي وقطاع تحويلات المغتربين وغيرها. فالحدود قد تم إغلاقها وتم حظر المواطنين في منازلهم إلا للضرورة القصوى وتم تشجيع التباعد الإجتماعي. كما أن الجائحة ألغت الميزة التنافسية للعديد من الدول والتي كانت متوفرة لها نتيجة اتفاقيات التجارة الحرة الدولية والإقليمية والتي كانت توفر لها أسواقا مفتوحة في العديد من دول العالم، بالإضافة إلى تأجيل أو إلغاء قرارات إستثمارية لمستثمريين محليين أو دوليين. كل هذا أدى إلى انهيار الطلب على السلع، باستثناء الأساسية منها، وتوقفت حلقات التزويد (استيرادا وتصديرا) مما أوقف العملية الإنتاجية ووضع المؤسسات الإنتاجية الصناعية والخدمية تحت ضغط فجائي هائل لتلبية التزاماتها المالية للجهات الدائنة من جهة والتزاماتها اتجاه موظفيها من جهة أخرى، مع انقطاع مصادر تمويلها بشكل مفاجيء. مما اضطر غالبيتها لتسريح عدد كبير من موظفيها وتخفيض رواتب إخرين في محاولة منها للنجاة والإستمرار والبقاء لحين مرور العاصفة، إلا أن العديد منها اضطر لإعلان الإفلاس لقناعته بعدم القدرة على الصمود طوال تلك الفترة.

ألجهود العالمية لدعم الإقتصاد في مواجهة الجائحة:

ألعديد من دول العالم بدأت باتخاذ عدة إجراءات إقتصادية في محاولة منها للتخفيف بقدر الإمكان من الاثار الإقتصادية الكارثية للجائحة على المديين القصير والمتوسط. هدفت هذه الإجراءات إلى ضخ كمية كبيرة من السيولة للإسواق في محاولة لإبطاء عملية الإنهيار الإقتصادي و”تسطيح” منحناه. تضمنت هذه الإجراءات قيام بعض الحكومات بتقديم الدعم المالي المباشر لكافة المواطنين (بمعدل الحد الأدنى للإجور لمدة شهر إلى ثلاثة أشهر)، وذلك لتمكينهم من تسيير حياتهم المعيشية اليومية الأساسية في ظل هذه الظروف الإستثنائية. كما قامت البنوك المركزية في العالم بضخ السيولة في البنوك المحلية بمبالغ متفاوتة وذلك لتحفيزها على تأجيل سداد الالتزامات المالية للمقترضين، أفرادا ومؤسسات، لفترات تتراوح ما بين شهر إلى 3 اشهر دون احتساب اية رسوم أو فوائد إضافية، وتشجيعها على تقديم قروض سهلة، وخاصة للمؤسسات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، وبدون فوائد لتغطية إجور العاملين للإشهر القادمة تفاديا لتسريحهم، ، والتسهيل لسحب مبالغ إضافية على القروض التجارية والعقارية والشخصية (من 5%-80%) ورفع حدود الصرف على بطاقات الإئتمان التجارية والشخصية وفرد عملية السداد لأشهر دون فرض رسوم إضافية، والسماح باستخدامها من اي بنك دون فرض أية رسوم. بالإضافة إلى منح التسهيلات لغايات تسديد أجور المنازل والمحلات التجارية والأقساط المدرسية دون أية فوائد وتأجيل تسديد فواتير الماء والكهرباء دون فرض اية رسوم إضافية. وتم تخفيف قيود وضوابط البنك المركزي على البنوك (مثل إلغاء الحد الأدنى للحسابات التجارية وتخفيض نسب الإحتياطي من القروض الممنوحة والواجب الإحتفاظ بها في البنوك، ورفع نسبة سقف الإنكشاف من محفظة القروض مقاسة بالأصول المرجحة بالمخاطر)، وذلك كله لتمكين البنوك من القيام بكل ذلك واستخدام احتياطياتها (لغاية 60% من هذه الإحتياطيات) لهكذا غايات، فالإحتياطات وجدت للطواريء وما نعيشه اليوم هو من أمهاتها. هذا بالإضافة إلى إنشاء الصناديق لجمع التبرعات من الشركات والمؤسسات الوطنية الكبرى والمواطنين المقتدرين لإنفاقها في مجالات تأهيل الإجهزة الطبية ومحاولة التخفيف من الآثار المجتمعية والإقتصادية للجائحة.

وبالرغم من أن كافة هذه الإجراءات هي إجراءات ضرورية وغاية في الأهمية ويجب اتخاذها وستساهم حتما في “تسطيح” منحنى الركود الإقتصادي لدرجة ما. إلا أنها في مجملها لن تكون فاعلة وكافية للحد من الركود الإقتصادي القادم وذلك لأن:

1. معظم هذه الإجراءات جاء من خلال محاولات متفرقة ومبعثرة للحد من الأثر السلبي الكارثي للجائحة، ولم يأت من خلال إستراتيجية وخطة متكاملة قصيرة ومتوسطة المدى لذلك، بحيث يكون لهذه الخطة أهدافا واضحة قصيرة ومتوسطة المدى وخطط عمل ومؤشرات أداء تفصيلية. كما توضح هذه الإستراتيجية الشمولية مهام وأدوار كافة الفئات المعنية ذات العلاقة (الحكومات والبنوك المركزية والبنوك ومؤسسات التمويل الدولية والمؤسسات الإقتصادية) في مكافحة هذه الجائحة واستعادة النمو اللإقتصادي وضمن جدول زمني محدد.

2. عدم ارتقاء وملائمة بعض هذه الجهود، شمولية وقوة وقيمة، مع النتائج الكارثية للجائحة. يظهر ذلك جليا من خلال التفاوت الكبير في حجم المخصصات المالية لهكذا خطط بين الدول مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي لها. فبينما خصصت الصين مثلا 200% من ناتجها المحلي الأحمالي (24 تريليون دولار مقارنة مع ناتجها المحلي الإجمالي البالغ 12 تريليون) لخططها لتسطيح منحنى الركود الإقتصادي لديها، خصصت معظم دول العالم ما بين 10%- 20% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي لها .مثلا خصصت الولايات المتحدة 2 تريليون دولار لهكذا إجراءات، أي 10% من ناتجها المحلي الإجمالي والبالغ 20 تريليون دولار، وهكذا قامت معظم الدول الأوروبية ودول العالم وبنسب متقاربة. بينما خصص البنك المركزي الأردني مثلا مبلغ 500 ملبون دينار (720 مليون دولار) أي أقل من 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة والبالغ 44 مليار دولار لهكذا غاية.

3. عدم وجود إستراتيجية موحدة صحية واقتصادية تربط ربطا واضحا ودقيقا ومحددا ما بين الإجراءات الصحية (تسطيح منحنى الجائحة) مع الإجراءات الإقتصادية (تسطيح منحنى الركود الإقتصادي) وبشكل متزامن ومحدد ويرتبط كل منهما بالآخر تشددا أو تسهيلا وفق خطة زمنية واضحة.

الأردن… واستدامة النمو الإقتصادي في وجه الجائحة:

وكما كان الأردن بتوجيه من قيادته الحكيمة سباقا في اتخاذ الإجراءات الصارمة والمبكرة ل”تسطيح منحنى الجائحة”، فقد كان سباقا أيضا بتوجيه جلالة الملك المعظم وتكليفه لحكومته بوضع خطة واضحة لدعم الإقتصاد الوطني لتمكينه من اجتياز المحنة و “تسطيح منحنى الركود الإقتصادي” لها. ولتتمكن الحكومة من الخروج باستراتيجية وخطة زمنية واضحة ومحددة للتعامل بنجاح مع النتائج الكارثية للجائحة على المديين القصير والمتوسط، فعليها الإستناد إلى مجموعة من الأسس والمعايير والمباديء التي تبني عليها هكذا استراتيجية وخطة، ينبثق منها إجراءات قوية ومحددة، من أهمها:

1. ألتفكير خارج الصندوق: يجب أن توجد القناعة لدى الحكومة بضرورة عدم تقييد نفسها بأية سياسات اقتصادية أو مالية أو اعتبارات أو التزامات سابقة (داخلية أو خارجية) تقيدها وتحد حتما من قدرتها على تبني الإستراتيجية والخطة الصحيحة والفاعلة للتعامل مع الجائحة. فالجائحة قوة قاهرة على مستوى العالم، وليس الأردن فقط، ونتائجها الكارثية غير مسبوقة. وعليه، فإنه يجب على الحكومة، وكما كانت إدارتها الناجحة للجائحة الصحية، أن تفكر خارج الصندوق وأن تتخذ إجراءات اقتصادية ومالية غير مسبوقة. فالإدارة الناجحة للجوائح إقتصاديا، كما هي صحيا، لا تحتمل “الخطوط الحمراء”.فلا مجال الآن للتقيد والإلتزام بالآلتزامات السابقة مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الدولية، ومنها على سبيل المثال الإلتزام بسداد أقساط قروض الأردن وفوائدها للجهات التمويلية في مواعيدها أو الإلتزام بنسب محددة للمديونية العامة مقارنة بالناتج المحلي أو التصنيفات الإئتمانية الدولية للأردن وغيرها. فكل هذه الإعتبارات لا تعني شيئا في الظروف القاهرة الحالية. وعليه يمكن أن تشمل خطة الحكومة بهذا الصدد:

• مخاطبة صندوق النقد الدولي والجهات الممولة الدولية لاستثناء الأردن من إيفاء التزاماته في مذكرات التفاهم السابقة (ومنها نسب الدين العام للناتج المحلي الإجمالي) وتسديد ما عليه من التزامات (أقساط القروض السابقة وفوائدها) حتى نهاية عام 2021. 

• مخاطبة البنوك المحلية الدائنة للحكومة بنفس الشأن.

• مخاطبة نفس هذه الجهات وجهات أخرى (ومنها الصين، الدائن الأكبر للعالم) لمنح الأردن تسهيلات جديدة على شكل منح وقروض ميسرة إضافية طويلة الأجل تصل إلى 10%-20% من ناتجه المحلي الإجمالي ( أي 4-8 مليار دينار) لتمكينه من تقوية اقتصاده في مجابه الجائحة.

• إصدار أمر دفاع بكل ما سبق.

2. ألشمولية والغاعلية: يجب على الخطة أن تكون شمولية بحيث تقوم ب”إعادة ترتيب البيت” الإقتصادي والمالي للمملكة خلال العامين القادمين وبشكل شمولي. بحيث تشمل هذه الخطة إعادة هيكلة لكافة السياسات الإقتصادية والمالية متضمنة كافة الضرائب والرسوم (ضريبة مبيعات ودخل ومسقفات ورسوم كافة الخدمات إلخ) وأسعار الفائدة وتقديم الدعم الفوري والمباشر للمواطنين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتمكينها من النجاة خلال المرحلة القادمة. كما يجب على الخطة أن تغطي بوضوح أدوار ومسؤوليات كافة المعنيين، وليس فقط الحكومة ، لتشمل إضافة للحكومة والبنك المركزي، البنوك العاملة والمؤسسات الإقتصادية الكبرى والصغيرة والمتوسطة والجهات التمويلية والمقتدرين من أبناء الوطن. وبناء على ذلك يمكن أن تشمل إجراءات الحكومة والبنك المركزي ما يلي:

• تخفيض ضريبة المبيعات من 16% إلى 5% على كافة السلع حتى نهاية عام 2021. لتعود بعد ذلك تدريجيا لنسبة 10% خلال الأعوام 2022-2025 (بواقع زيادة 2.5% كل عام).

• تخفيض ضريبة الدخل على كافة الشرائح بنسبة 50% حتى نهاية عام 2021، ليتم إعادة دراسة هذه النسبة في نهاية عام 2021.

• قيام البنك المركزي بتخفيض اسعار الفائدة من 3.5% إلى 2.5% خلال شهر آئار/ مارس الماضي هو أمر جيد ولكنه غير كاف ولا يرتقي مع حجم الجائحة واثرها الإقتصادي الكارثي. وعليه، وجب إجراء تخفيض إضافي على أسعار الفائدة من 2.5% إلى ما يقارب ال 0%-1% خلال العامين القادمين (حتى نهاية عام 2021)، ليتم إعادة دراسة هذه النسبة في نهاية عام 2021.

• قيام البنك المركزي بتوجيه كافة البنوك المحلية بتأجيل إستحقاقات تسديد كافة القروض التجارية والشخصية للمدينين من قروض وفوائد (وبشكل تلقائي ودون توجيه طلب بذلك من قبل المدينين) حتى نهاية عام 2020، ودون أية فوائد أو رسوم إضافية نتيجة لذلك (فالتأجيل الحالي لمدة شهر واحد فقط وبناء على طلب المقترض غير كاف وغير مفيد على الإطلاق)، ودراسة التمديد لستة أشهر إضافية في علم 2021 في حال تقديم المدينين طلبا بذلك في نهاية عام 2020.

• وضمن نفس السياق، فإن قيام البنك المركزي بضخ سيولة بمقدار 550 مليون دينار من خلال تخفيض الإحتياطي الإلزامي لدى البنوك هو بداية جيدة ،ولكنها حتما ليست كافية. ف 550 مليون دينار تشكل أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن، مقارنة مع 5% لإلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي كحد أدنى والذي تتبناه كافة الدول النامية والمتقدمة لمعالجة نتائج الجائحة الإقتصادية. وعلية وجب ضخ 1.5 مليار دينار أردني إضافية في الأسواق بأسرع وقت ممكن، عن طريق أقرار مزيد من تخفيض إضافي لمستويات الإحتياطيات الإلزامية في البنوك (فلهكذا ظروف قاهرة وجدت هذه الإحتياطيات)، وذلك للسماح لها بإقراضها وبأقل نسب فوائد وأقل ضمانات، للقطاعات الإقتصادية الصغيرة والمتوسطة وبما يمكنها من النجاه وعدم تسريح موظفيها، بالإضافة إلى إقراض المواطنين بشكل مباشر بأقل الفوائد والضمانات لتمكينهم من النجاة.

• صرف 500 دينار (الحد الأدنى للرواتب لشهرين) وبشكل مباشر لكافة المواطنين الذين يقل دخلهم الشهري عن 500 دينار والذين ليس لهم أي دخل منتظم (كالحرفيين واصحاب المهن وعمال المياومة وغيرهم) لتمكينهم من النحاة وتسديد رمقهم وقوتهم وقوت أهليهم خلال الشهر القادمة.

• قامت العديد من البنوك الأردنية مشكورة خلال الأيام الماضية بالتبرع لصندوق “همة وطن”. إلا أنه من الملاحظ انخفاض قيمة هذه التبرعات بشكل كبير مقارنة مع أرباح هذه البنوك للعام 2019. إذ بلغت قيمة التبرعات اقل من 1% من أرباح سنة واحدة فقط لكافة البنوك التي تبرعت، دون التطرق لأسمائها، بالإضافة لكون هذه “التبرعات” مستردة من الضريبة المستحقة عليه، مما لايجعلها “تبرعات” حقا. فالتبرعات الحقة تتم لوجه الله أولا ومن ثم الوطن والشعب، ولا يجب أن يكون هنالك توقع باسترداد أمر ومنفعة مادية مقابلها. فحق الوطن والشعب على هذه البنوك، وخاصة أثناء هذه المحنة، أكبر وأعظم بكثير. وعليه وجب أن تقوم الحكومة بفرض “ضريبة زكاة وطن”، غير مقتطعة من الضريبة، بمقدار 2.5% على كافة أرباح البنوك لعام 2019 ، وتحويل العائدات لصندوق “همة وطن”. هذا من شأنه رفد الصندوق بأكثر من 50 مليون دينار أردني وبشكل فوري. 

• قام العديد من المقتدرين الأردنيين (من شركات وأفراد) مشكورين خلال الأيام الماضية بالتبرع لصندوق “همة وطن”، إلا أنه من الملاحظ انخفاض قيمة هذه التبرعات مقارنة مع أرباح هذه الشركات للعام 2019 (والأمثلة على ذلك كثيرة دون الحاجة لسردها)، ومقارنة مع قيمة ودائع الأردنيين في البنوك الأردنية والبالغة حوالي 30 مليار دينار أردني. وبذلك ينطبق نفس الطرح السابق على البنوك الأردنية. وعليه وجب أن تقوم الحكومة بفرض “ضريبة زكاة وطن” بمقدار 2.5% على كافة أرباح الشركات الكبرى لعام 2019 وعلى كافة ودائع الأردنيين وتحويل العائدات لصندوق “همة وطن”، وهذا من شأنه رفد الصندوق بحوالي مليار ونصف المليار دينار أردني وبشكل فوري. 

• إصدار أمر دفاع في كل ما سبق.

3. ألربط ما بين الصحة والإقتصاد: من خلال ارتباط الأستراتيجية والخطة الإقتصادية ارتباطا مباشرا بالإستراتيجية والخطة الصحية، وعدم النظر لهما كمساريين منفصلين. فالتشدد أو الإرتخاء لأي منهما يجب أن يكون مقنرنا بالتشدد أو الإرتخاء للآخر. ويمكن أن يتم ذلك من خلال:

• زيادة عدد الفحوصات اليومية من 1,500 فحص إلى 10,000 فحص في اليوم. بحيث لا تشمل هذه الفحوصات المصابين ومخالطيهم والمناطق الخطرة فحسب، بل تشمل كافة مناطق المملكة وكافة الراغبين في إجراء هكذا فحوصات. يمكن أن تتم هذه الفحوصات من خلال ذهاب المواطنين إلى مناطق مخصصة لهذه الغاية منتشرة في كافة أنحاء المملكة، مسيرا أو باستخدام المركبات (درايف ثرو) إذا أمكن ذلك. كل هذا سيمكن من توضيح الصورة كاملة أمام متخذ القرار، وبالتالي إتاحة الفرصة له لاتخاذ قراراته برفع الحظر عن مناطق محددة وتمكينها من مباشرة حياتها ونشاطها الإقتصادي المعتاد بدرجة عالية من الموثوقية. يتم ذلك بعد إجراء الفحوصات الموسعة قي تلك المنطقة للتأكد من خلوها من الجائحة ووفق الأولويات الإقتصادية المحددة، ومن خلال نظام مرن ومترابط للمخاطر الصحية والإقتصادية قابل للتشدد والإرتخاء على جانبيه الصحي والإقتصادي. فيمكن يذلك تجنب تأخير رفع الحظر عن كافة أرجاء ومناطق المملكة لحين التأكد من خلوها جميعا من الجائحة، واقتصار الجظر والإغلاق على المناطق ذات الخطورة العالية والواجب إبقائها تحت الحظر لحين التأكد من خلوها. 

• توجيه معظم الدعم الحكومي والحوافز الإستثمارية والانفاق من صندوق “همة وطن” خلال العامين القادمين لتأهيل الأجهزة الطبية المدنية والعسكرية في المملكة. حيث تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2019 بأن حجم الإنفاق على قطاع الصحة في الأردن هو أقل من 8% من إنفاق المملكة المتحدة (والتي يبلغ عدد سكانها ستة اضعاف عدد سكان المملكة)، وأن عدد الأسرة لكل 10,000 نسمة في الأردن هو 14 سرير مقارنة مع 34 سرير في إيطاليا و29 سرير في الولايات المتحدة الإمريكية. رفع حهوزية وتأهيل القطاع الطبي في المملكة وبشكل جذري، هو متطلب أساس في محاولة الموازنة والمواءمة بين “تسطيح” المنحيين الصحي والطبي بأقل الأضرار على كليهما. ولو أنه كان متحققا اليوم، لما وضع الوطن أمام هذه المفارقة وهذا التحدي غاية في الصعوبة. وعليه وجب مضاعفة عدد المستشفيات والأسرة ومختبرات الفحص في كافة مناطق المملكة. وتجهيزها بغرف الطواريء والإجهزة والمعدات اللازمة (ومن أهمها عدد كاف من اجهزة التنفس)، ومضاعفة أعداد الأطباء والممرضين وفنيي المختبرات. ويمكن إعادة الأطباء والممرضين وفنيي المختبرات المتقاعدين المدنيين والعسكرين للخدمة الفورية والإستعانة بطلاب الطب والتمريض والصيدلة في الجامعات الأردنية لتعزيز القدرات الوطنية الطبية للمملكة خلال العامين القادمين. بالإضافة إلى توجيه الحوافز لإقامة صناعة الأجهزة والمستلزمات الطبية (وخاصة أجهزة التنفس ومعدات الوقاية الذاتية) والصناعات الدوائية والمطهرات بالإضافة للسياحة العلاجية، وذلك ليبني الأردن على ميزه التنافسية المتعددة والمتحققة أصلا في هذه القطاعات، ويصبح من أبرز المصدرين للعالم في كل ما يتعلق بعنقود القطاع الصحي (منتجات وخدمات).

4. تصحيح أخطاء الماضي واسترداد الحقوق لا يعني التعدي على الملكية الخاصة: ألجميع، وعلى رأسهم الحكومة الحالية، يدرك تماما بأن الحكومات الأردنية المتعاقبة قد ارتكبت أخطاء، أو الأحرى خطايا، اقتصادية كبرى خلال العقدين الماضيين، وخاصة فيما يتعلق بخصخصة الكثير من مؤسسات وشركات الدولة. فالخصخصة من حيث المبدأ هي استراتيجية صحيحة يتم تبنيها في كافة دول العالم سعيا للإرتقاء بالأداء وتحسين نوعية الخدمات وتشجيع المنافسة وتخفيض الأسعار. إلا أن الطريقة التي تمت فيها في الأردن خلال العقدين الماضيين شابها الكثير من عدم الوضوح والشفافية، مما أدى إلا بيع هذه الأصول بأبخس الثمان. الجائحة وجهود مكافحتها تتيح للحكومة الفرصة لتصويب هذه “الخطايا” وإيجاد المعادلة العادلة لاسترداد الحقوق الوطنية، أو جزء منها على الأقل، دون الانتقاص من أو الإضرار المستدام بعيد المدى بحقوق الجهات التي أودعت ثقتها في الاردن واستثمرت فيه وبذلت جهودا مضنية ومشكورة عليه خلال العقدين الماضيين للوصول بمستوى الانتاج والخدمات الى ما وصلت إليه اليوم. أمر إعادة استحواذ الحكومات على الأصول الوطنية، جزئيا أو كليا، كان يعد من “المحرمات” الإقتصادية وأمرا مرفوضا بالمطلق حتى مجرد التفكير به قبل أسابيع قليلة. إلا أن الجائحة غيرت الحال وأزالت الخطوط الحمراء وحطمت هكذا “التابوهات”. الإتحاد الأوروبي أعلن رسميا أواسط آذار/ مارس الماضي بأنه أعد مسودة لائحة تم توزيعها على الدول الأعضاء تتمكن بموجبه حكوماتها من إعادة الإستحواذ الكلي أو الجزئي على المنشآت الإقتصادية التي ترتأي الحكومات بأنها ضرورية في إدارتها للأزمة (ألمصدر: وكالة بلومبرغ 17-3-2020). يناء عليه، بدأت العديد من الحكومات الأوروبية عمليات إعادة استحواذ للعديد من أصولها التي تمت خصخصتها سابقا. ومن الأمثلة على ذلك قيام الحكومة الإيطالية بإعادة الإستحواذ الكامل على شركة الخطوط الجوية الإيطالية (أليتاليا) وإعادة ملكية كافة أسهمها للحكومة، وذلك ضمن جهودها في إدارة أزمة الجائحة (المصدر: رويترز 20-3-2020). وإعلان الرئيس الفرنسي ماكرون عن نية بلاده استحواذ مزيد من الأسهم في شركة إيرباص وشركة السيارات رينو وشركة الخطوط الجوية الفرنسية- الألمانية (ك ل م) بعد التنسيق مع الحكومة الألمانية بذلك (ألمصدر: بلومبرغ 17-3-2020). وعليه فإنه يمكن للحكومة الأردنية التفكير بإعادة الإستحواذ على نسبة محددة (من 30%-40%) من الشركات الكبرى التي تم خصخصتها (الإسمنت، الفوسفات، البوتاس، الكهرباء، المصفاة، الملكية الأردنية وغيرها) وللأعوام الخمسة القادمة (حتى نهاية 2025)، وذلك لدعم جهودها الإقتصادية في إدارة الأزمة، وإصدار أمر دفاع بهذا الشأن. وبهذا تضمن الحكومة إسترداد الوطن لحقوقه المسلوبة ضمن فترة زمنية محددة، وبنفس الوقت دون الإضرار بعيد المدى بحقوق المستثمرين. هكذا قرار يدعم وبشكل ملموس جدا جهود تعزيز وتقوية الاقتصاد الأردني خلال السنوات القادمة، وبنفس الوقت يمكن اعتباره من قبل المستثمرين كعرفان ورد منهم لجميل وطن احتضنهم ودعمهم وحقق لهم الربحية والإزدهار طوال عقود مضت، وسيستمر في تحقيقها لهم في المستقبل بإذن الله، ولكنه يحتاجه اليوم ليقفوا إلى جانبه ويتفهموا قراره. 

ألجائحة عظيمة وكارثية بأثرها الصحي والإقتصادي… ولكن الأردن، رغم كل ذلك، سينتصر فيها… بفضل الله اولا، ومنثم بحكمة قيادته وجهود كافة المخلصين من رجالاته وأبنائه في أجهزته الطبية المدنية والعسكرية وجيشه العربي الباسل وقواته الأمنية ووعي أبنائه جميعا وكافة مؤسساته في القطاعين العام والخاص، وتفهمهم والتزامهم وانضباطهم جميعا خلال هذه الفترة العصيبة ، وحرقتهم وتوقهم جميعا لأن يفدوا وطنهم ،الذي يجري فيهم مجرى الدم في العروق، بأرواحهم ومهجهم وكل ما يملكون… وسيكون هذا النصر بأقل الخسائر في الأرواح باذن الله… فالإنسان هو اغلى ما يملك الوطن وحياته وصحته ومستقبله هي الغاية وهي الهدف…

هي جائحة عظيمة… ولكنها فرصة عظيمة أيضا… فرصة ليعيد الوطن ترتيب بيته الداخلي إقتصاديا واجتماعيا وفق أسس ومعايير صحيحة وقوية ومستدامة… تضع الأنسان وحياته وصحته في المرتبة الأولى واستدامة نمو اقتصاده بشكل مواز لها… ففيهما مستقبل الوطن وحياة ومستقبل أبنائه واجياله القادمة… سننتصر بإذن الله… وسنحتفل جميعا، قيادة وجهازا طبيا وجيشا وشعبا بهذا النصر قريبا إن شاء الله… 

حفظ الله الأردن عزيزا وقويا ومنيعا… وحماه شعبا وأرضا وقيادة…

التعليقات مغلقة.