صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التجارة الدولية بعد الكورونا

لا أحد يعرف حدود أزمة الكورونا ولا إلى أين قد تصل الأمور، ولكن ما نعرفه جيدا أننا دولة محدودة الموارد وقد دفعتنا هذه الظروف الاستثنائية لاتخاذ اجراءات صارمة حتى لا نجد انفسنا أمام كارثة صحية، وبنفس الوقت لا بد لنا من الاعتراف بأن الازمة قد وضعتنا على المحك وأبرزت الحاجة الفعلية لإعادة ترتيب الأولويات لتجنب الوقوع في أزمة اقتصادية قد تكلفنا الكثير، فمع انتشار وباء الكورونا يمكن القول أن التجارة الدولية قد وضعت دول العالم الثالث غير المنتجة في مأزق فعّلي كونها لا تستطيع تلبية احتياجاتها إلا لأشهر معدودة وقد خسرت كل ما لديها من خيارات، ونحن في الأردن لسنا بمعزل عن هذه الكارثة خصوصاً أن الأردن بدأت بالانضمام لاتفاقية منظمة التجارة العالمية WTO عام 1997.

لقد أنشئت منظمة التجارة العالمية في عام 1995 وأعلنت بأنها تهدف لتحقيق انسياب التجارة بأكبر قدر من اليسر والحرية، وانضم إليها 164 دولة في العام 2015 حسب ما جاء بموقع (Economics)، بالاضافة إلى انضمام عدد من الدول بدور مراقب، حيث تُلزم المنظمة الدول الاعضاء بإزالة القيود الجمركية والقيود على التجارة البينية والعالمية ومنع دعم السلع في الدول وعدم القيام بدعم المنتجات المحلية.
وتدّعي المنظمة بأنها تهدف إلى تقليل الكلف على المستهلك، وزيادة التنافسية، وتقليل الاحتكار المحلي للسلع من خلال اتاحة التنافس العالمي، واعطاء الفرص للدول المنتجة التي لديها الفائدة النسبية في الانتاج وتشجيع الدول التي لديها القدرة على الانتاج الضخم، كما أعلن البنك الدولي بأن هذه الاتفاقية قد زادت من نسبة الصادرات من المنتجات والخدمات من الناتج القومي العالمي من 19% في عام 1995 إلى 29% في عام 2014 ، وزادت قيمة الصادرات الدولية من المنتجات والخدمات من 8000 مليار دولار في عام 1995 إلى 24000 مليار عام 2016.
ولكن هذه الاتفاقية مجحفة بحق الدول النامية ولا تشجع القطاعات المحلية، كما أنها لا تسمح للصناعات المحلية بالنمو ولا تشجع الدول بتنويع مصادر اقتصادها، كما انها تحّد من الاتفاقيات الثنائية، كما أن هذه الاتفاقية فيها كثير من الحماية في قطاعات الزراعة والتي تصب في مصالح الدول الغنية مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتعطي الاتفاقية حماية في الملكية الفكرية في كثير من القطاعات وخصوصاً الأدوية ما يجعل أسعارها عالية وتحد من قدرة الدول النامية من الحصول عليها، كما أن اتفاقية الثنائية بين أكبر الاقتصادات حجما الولايات المتحدة وأوروبا تمنع اعطاء المقاولين والصناعات المحلية اولوية. وقد ذكرت جريدة الجارديان البريطانية أن الإتفاقية أفشلت الدول النامية وتسببت في خسارة (15) مليون مزارع قطن لمحاصيلهم، ولم تستطع أن توقف دعم الدول الكبرى لقطاع الزراعة ولم تصدر احكاماً في (400) قضية فض النزاعات، وفشلت في إبطال إجراءات الحماية التي اتخذتها مجموعة العشرين (G 20)ولم تقدم معونات لدول العالم الثالث التي تعرضت للكوارث وحولت الحقول الزراعية الى مناطق سياحية.

صحيح أن انضمام الأردن إلى هذه الاتفاقية قد ساهم في تعديل بعض التشريعات الاقتصادية لتعزيز الاستثمارات الخارجية، ولكنها أضعفت الصناعة الأردنية على الرغم من أننا نمتلك تنوع في الطقس ما يساهم في زراعة محاصيل زراعية طيلة العام فلدينا المناطق الزراعية الشاسعة لزراعة الحبوب والتي كانت يوماً ما سلة غذاء الدولة الرومانية (سهول حوران)، وكان لدينا صناعات ملابس بمستوى متميز ولكن أنهكتها البضائع الصينية الرخيصة نوعاً ما، وكانت لدينا صناعات تحويلية واعدة، ولدينا عقول ومواهب كثيرة ونوعيّة، ولا بد من الرجوع للإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي والاعتماد على السواعد الأردنية حتى نتمكن من أن نأكل ونعيش حتى لو تقطعت بنا السبل وأُغلقت الحدود، بل لا بد من تشّغيل ابناء وطننا حتى يكون لدينا قطاعات ناجحة ترقى إلى طموحاتنا قيادة وشعباً، ومهما حدث فكلنا ثقة بقدرة هذا البلد على تجاوز هذه المحنة بهمة وعزم قائد ونشامى هذ الوطن العزيز على قلوبنا.

التعليقات مغلقة.