صحيفة الكترونية اردنية شاملة

 نزع وسائل الوقاية الدستورية

نقف اليوم أمام مأزق دستوريّ حقيقيّ ، والسبب فيه يعود لإلغاء نص الفقرة الدستورية التي كانت تتيح للملك تأجيل إجراء الانتخابات النيابية إذا توفرت ( ظروف قاهرة ) تحول دون إجرائها في الميقات الدستوريّ .

وقد ألغت التعديلات الدستورية للعام ( 2011 ) الفقرات ( 6،5،4) من المادة ( 73 ) من الدستور والتي كانت نتاج ثلاثة تعديلات أولها عام ( 1974 ) حيث أضيفت الفقرة الرابعة لها وأصبح بمقدور الملك أن يؤجل إنتخابات المجلس النيابي لمدة عام واحد إذا تعذر إجرائها لظروف قاهرة ، ثم عدلت ذات المادة – منفردة – في العام ( 1976 ) بحيث أصبحت المدة مفتوحة غير مرتبطة بسنة واحدة كما أتاحت الفقرة الأخيرة منها للملك دعوة مجلس النواب المنحل لدورة إستثنائية إذا توفرت ظروف طارئة تستدعي تعديل الدستور خلال القوة القاهرة ، لتستقر بعدها في تعديلات العام ( 1984 ) بنسخة تسمح للملك إعادة المجلس المنحل للإنعقاد مهما بلغت مدة حله في ظلّ الظروف القاهرة وكذلك أجازت المادة إمكانية إجراء الإنتخابات في بعض الدوائر الإنتخابية إذا سمح الوضع العام بإجرائها فيها وإستمرت القوة القاهرة فيما سواها من محافظات ، وبقي النص بهذه الصورة حتى ألغت تعديلات ( 2011 ) الفقرات المذكورة آنفاً وإستقرت على نصها الحالي عدم المتضمن لأية استثناءات وقتية تسمح بإرجاء عقد الإنتخابات حتى وإن توفرت ظروف قاهرة أو طارئة .

المنتقد في الأمر ، أن عادة المشرع عموماً والدستوريّ على وجه الخصوص هو التحوط والاستيثاق لأي حدث ولو كان إستثنائيّاً أو نادر الحدوث ، لا بل هناك بعض النصوص التي تتضمنهـا الدساتير تتحوط لحالات عبر مواد قد لا تستدعي الحاجة لتفعيلهـا مطلقاً ، والعلة في ذلك ميل الدستور للجمود من حيث التعديل وسعة نظر مشرعيه وقدرتهم على استشراف المستقبل .

أما الأكثر غرابة ، هو مخالفة القواعد والمبادئ الفقهية والقانونية العامة التي تنص على أن ” أن من يملك الأكثر يملك الأقل ومن يملك الأشد يملك الأخف ومن يملك الكل يملك الجزء ” وأن ” الفرع يتبع الأصل ” ، فإذا كانت الإنتخابات البرلمانية هي الأصل والأشد والمذكورة في الدستور والتي تميزت بقانون مستقل ، ولمّا كان المشرّع الدستوري هو الاوسع صلاحية والأكثر تحوّطاً ، كيف روعيت الظروف القاهرة كأسباب لتاجيل الانتخابات الادنى مرتبة وألغى ذلك في أهمها ؟.

فقد نصت المواد ( 12/أ/جـ ) من قانون اللامركزية و ( 32 ) من قانون البلديات على جواز ذلك من باب الإحتياط ، لا بل راعت ذلك قوانين النقابات المهنية ومنها على سبيل المثال لا الحصر المواد ( 97 ) من قانون نقابة المحامين و ( 41 ) من قانون نقابة الصحفيين و ( 16 ) من قانون نقابة المعلمين ، وقد يكون الأنكى من ذلك إمكانية تأجيل إنتخابات  الاتحادات الرياضية لذلك بينما لم تراعى في إنتخابات المجلس النيابي المذكور في المادة الأولى من الدستور الأردنيّ .

وكنت أول من كتب مقالة قبل شهر من الآن بعنوان ”  مصير المجلس النيابي  ” تناولت فيها الخيارات الدستورية المطروحة أمام السدة الملكية بخصوص مصير المجلس النيابي والتي قد تكون إحداها الدورة الاستثنائية ، وهي خيارات إلزامية بكل أسف لا تراعي حالة الضرورة التي تعيشهـا البلاد لا سيّما في ظل تعديل المادة ( 94 ) من الدستور كذلك والتي قلصت صلاحيات إقرار القوانين المؤقتة إلى الحد الأدنى الذي كان يجب وأن يتسم ببعض السعة ولو من باب الإحتياط لمثل الظرف الحاليّ فالضرورة لا تقتصر  على المسائل المالية ففط .

أخيراً، يستطيع المتابع أن يرصد بما لا يدع مجالاً للشكّ أن التشريع الأردني على كافة المستويات كان أكثر شمولاً وجودة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي رغم أن القوانين كانت مستحدثة أنذاك وكذلك خبرات المشرعين ، لكن الحرص حينئذ على مراعاة البيئة الوطنية وضروراتها هي ما ضمن الفارق ومنع الحاجة لتعديلهـا على مدار سنوات طوال، وتلك المسألة هي ما دفع بالمشرع الفرنسي لأن يقر للمشرع المصريّ مؤخراً بتفوقه في تشريعات الإدارة العامّة، ليس لشيء إنما لعنايته الفائقة بموائمة التشريع للحاجة وللبيئة الوطنية الخاصة وتحوطه للضرورات ما أمكن ، وهذه سنة التشريع .

التعليقات مغلقة.