صحيفة الكترونية اردنية شاملة

البيروقراطية المعترف بها

قال الملك : ( في بدايات تعاملي مع كبار المسؤولين في الحكومة كان بعضهم يقول لي إن لديه مشاريع كبرى لتحسين العمل الحكومي و الأوضاع عموماً، لكن حين كنت أسأل (متى)؟، قلّما جائني الجواب مُرضياً أو شافيا. من هُنا تلقيتُ الإشارة الأولى بأن الحكومات لا تعملُ كما تعمل الجيوش )

ولم أعد أحصي كم إستشهدت بتلك الفقرة من كتاب جلالة الملك ” فرصتنا الأخيرة ” في مقالاتي ، ولعل ذلك التكرار مبرر بكثرة الحوادث التي تطلّ فيها البيروقراطية برأسها ناصبة متاريسها التقليدية ومطباتها الصناعية لإعاقة أي قرار وإجهاض الآمال المعلقة فيه رغم عِظمها .

ولعل الرغبة في الخروج من هذه الدائرة البيروقراطية المتململة المملّة هو ما يدفع بين الحين والآخر لتطعيم الفريق الحكوميّ بالعسكريَين تارة وبأبناء وبنات القطاع الخاص الأكثر ديناميكيّة بعكس معظم أقرانهم من أبناء السلك الحكوميّ .

والحقيقة أن رفض البيروقراطية وصل إلى حدّه الأعلى من النقد والرفض لا سيّما خلال أزمة تفرض طبيعتها التعامل بحزم وسرعة محسوبة ومرونة مع كل وقائعها ، فهذا ما كان سبباً رئيسيّاً فيما تحقق خلالها من نجاح ولا نريده أن يكون سبباً في الفشل الذي حذر منه الملك منذ أيام قبل عودة الإصابات للظهور والتصاعد ، وتلك كانت إشارة واضحة على إستشعار ما هو غير مقبول على صعيد التدابير والإجراءات.

وبقدر ما تحترم الشفافية الرسمية لدى إعترافها بالأخطاء وما يفيده ذلك في عملية إستعادة الثقة ، بقدر ما يعاب التباطوء وعدم تقدير أن الإستثنائية في الأزمة لا تقتصر على عنصر المفاجأة الذي فرضها لغايات تبرير أي قصور بل ينسحب أثر هذه الإستثنائية إلى الحاجات التي تفرضها والقرارات المتخذة بشأنها ، ولا تتناسب تلك الحساسية العالية مع أي تسويف أو تقليد غير مقبول أساساً في الظروف الإعتيادية .

فالبيروقراطية كفيلة بقتل كل ما هو إيجابيّ ، ومحبطة للطاقات والقدرات والطموحات إذ أن التأخر في إصدار القرار أو تنفيذه وجهان لعملة واحدة ، وكل منهما يخدم إحتمالات الفشل لا النجاح بما يستنزفه من جهود تستغرقها المراسلات التقليدية والغرق في التفاصيل والتريث الزائد عن الحاجة .

المطلوب اليوم ، أن تخرج الحكومة من جلدها وكلاسيكيات إنفاذ القرارات التي ورثتها في جسمها المترهل ، وإن إسناد الأمر للأجهزة العليمة ذات المؤسسية الصارمة التي لا تعرف التسويف أو الحسابات المفرطة في الحساسية بات واجباً لا بديل عنه في بعض الملفات ، وحتى داخل دائرتها الضيقة المتعاملة مع الأزمة فقد أصبحت الحكومة اكثر دراية بالكوابح المعطلة للقرار والتي لا بد من تحييدها عن دفة القيادة فوراً .

لا تقيّم نقاط النجاح خلال الأزمة بالمنسوب الطبيعي ولا تقيّم نقاط الفشل أو التقصير بها كذلك ، فأثر كل نقطة منها أعلى مما نظن بأضعاف ، وإن كان هناك ضرورة للدقة فهي على صعيد تقدير الموقف وما يحتاجه من خُطى ، أما إنفاذ القرار والتعامل مع المتغيرات والمستجدات بمرونة فيحتاجان السرعة القصوى بلا أدنى شك .

والله من وراء القصد

المستشار القانوني / علاء مصلح الكايد

التعليقات مغلقة.