صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الدولة البوليسية

ليس من مصلحة أحد أن يدافع عن الباطل أو التغاضي عن أيّ متجاوز بل الوقوف في وجهه أمانة في أعناقنا جميعاً ، لكن الموضوعية والأمانة العلميّة أساسيّتان وتستحقّان أن لا نغالي في نعت وطننا بما ليس فيه ، بل نقوّم الخلل إن وُجِد ونُعزِّز ما حقّقنا من إيجابيّات إعتدناها في الوقت الذي يتمنّى غيرنا أن يشعر بها ولو لمرّة واحدة .

” أنا مع حرّيّة سقفها السّماء ” ، بهذه العبارة علّق جلالة الملك حينما شرعت بشرح موقفي من قانون الجرائم الإلكترونية والذي كان مطروحاً للتعديل في حينه ، ومن نافلة القول التذكير بالقسم الدستوريّ الذي قطعه جلالة الملك على نفسه لدى تبوّأ سلطاته الدستورية ومواقفه المشهودة من أوراق نقاشية وتصريحات ومقالات حملت جميعها الدعوة للحرّيّة المسؤولة ضمن حدود القانون الحامي للحقوق والمصالح والكرامة المحافظ على الأمن القوميّ .

اليوم ، عاد ليتصدر مصطلح ” إعتقال ” وإنسحب على معظم من يتفاعل الرأي العام مع عملية توقيفه ، وجميعنا يعلم ما يشيعه أثر هذا المصطلح من بوليسية بخلاف الواقع الذي يستند فيه ” التوقيف ” إلى مذكرة إحضار أصولية ضمن حدود الإختصاص .

وإنّ معظم ما يُناهَض إلكترونيّاً من إجراءات تباشرها الضابطة العدلية المنابة من المرجع القضائي المختصّ هو نتيجة شكوى تقدم بها شخصٌ ( طبيعيّ أو إعتباريّ ) إختار اللّجوء إلى القضاء ليكون الحكم والفيصل أو ضمن مسؤولية النيابة العامّة في تحريك دعوى الحقّ العامّ والتي تنوب فيه – من إسمها – عن المجتمع لمجازاة من تجاوز على منظومة الأمن الوطني بمختلف قطاعاتها ، المتعلّقة بالأفراد والجماعات .

فالموظف العامّ ليس فوق النقد ، لكن الحدّ الفاصل بين شرعية النقد وإغتيال الشخصيّة هو السلطة الدستورية الثالثة المستقلة .

ولكن الأسوأ حقيقة ، هو أن يوصف القضاء على أنه أداة بيد السّلطة التنفيذية أو التشريعية إن إختارتا الإحتكام للقانون لرفع تعدٍّ تعتقدان بوقوعه ، وأكثر ما يُستغرب هذا النّقد صدوره من مُسيَّسين ينتمون لمدارس فكريّة سوّغوا لبعض الأنظمة التي يناصرونها إراقة الدّماء لحماية وجودها في الوقت الذي تُنتقد فيه السلطات المحلّيّة إذا باشرت إجراءات خاضعة بالمُطلق لولاية القضاء .

إنّ الوظيفة العامّة لا تحصّن صاحبها من النقد البنّاء لكنها في ذات الوقت لا تحرمه من الإحتماء بالقانون ، فهذه حقوق دستورية مكفولة وليست حكراً لمواطن دون الآخر ، وإتفاقاً مع ذات القاعدة فإنها لا تنزع عن السّلطة أو الإدارة أحقيّة تأديب أعضائها إذا تجاوزوا النصوص والتشريعات الضابطة للسّلوكيّات تحت ذات المظلّة القانونيّة .

لسنا مثاليّين ، ولدينا من الأخطاء بعض مما لدى غيرنا ، لكن ؛ قد أثبت القضاء بمختلف أنواعه ودرجاته أن القانون مظلة لا تقف عند حدود معينة ، فالملكُ يُقاضى بموجب القانون ، ورئيس الحكومة والسُّلطة التشريعيّة وحتّى القضائية ، فلا نجلد أنفسنا وكأنّنا نعيش في أنظمة شموليّة تقوم على القاعدة الميكيافيلية ” الغاية تبرر الوسيلة ” .

هذه شهادتي كرجل قانون ، من واقع عمليٍّ ملموس .

لذا ؛ فلنُسمِّي الأشياء بمُسمّياتها ، ولنحتكم جميعاً إلى القانون ، ولنعبّر بحرّية سقفها السّماء داخل حدود الحماية التي توفرها القوانين ، فما نطالب بصيانته حماية لذاتنا هو ذاته ما يطالب الآخر به حماية لذاته ، والقضاء هو الفيصل .

ليس من مصلحة أحد أن يدافع عن الباطل أو التغاضي عن أيّ متجاوز بل الوقوف في وجهه أمانة في أعناقنا جميعاً ، لكن الموضوعية والأمانة العلميّة أساسيّتان وتستحقّان أن لا نغالي في نعت وطننا بما ليس فيه ، بل نقوّم الخلل إن وُجِد ونُعزِّز ما حقّقنا من إيجابيّات إعتدناها في الوقت الذي يتمنّى غيرنا أن يشعر بها ولو لمرّة واحدة .

والله من وراء القصد .

التعليقات مغلقة.