صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لم أعد جميلاً يا أمي

لاأدري ما الذي حصل يا أمي !!! لم أكن كما أنا الآن ، بل لم أعد جميلاً يا أمي !!! لقد كنت ذلك المبادر الذي يقدم المعونة للجميع ، يعرض خدماته هنا و هناك ، لم أترك جاراً إلا و عرضت خدماتي عليه ، لدرجة أن الجميع أصبح لا يخجل من طلب المساعدة مني بأي موضوع و كنت أشعر بأن الجميع يرونني معطاءً، جميلاً، لطيفا ً، و هذا ما كان يدفعني للمزيد من العطاء و الخدمة ، و دخلت الجامعة لأبدأ برحلة جديدة من المبادرات الطلابية و المساعدات هنا و هناك، فمن مبادرة إلى ورشة عمل إلى حفل أيتام ،و هكذا مرت سنوات الجامعة بسرعة و بنوع جديد من العطاء ، و كنت يا أمي أنظر كل يوم إلى المرآة فأجدني جميلاً أنيقاً، و كانت دوماً عباراتك تدغدغ مشاعري عندما تقولين لي في كل صباح – يا جمالووو- و أذكر دوماً عبارات الغزل التي كنتي تنعتيني بها .. و نظرات الحب التي كان يهديني إياها الجيران…

أنهيت الجامعة ، تخرجت إلى سوق العمل ، و بدأت رحلة البحث عن العمل و ما تحوي من إرهاصات و تعب و تفكير مقيت و شعور بعدم الإنتاجية و نقص في العطاء !!! رحلة البحث عن العمل طالت ، و أصبحت المتعة بالعطاء تتناقص تدريجياً ، و أصبحت ، عندما أنظر للمرآة أرى شخصاً آخر ، لا يشبهني يا أمي ، لم أكن أنا من أظهر بالمرآة ، أنه شخص آخر أتعبته الحياة !!!

و بعد ذلك وجدت العمل و كان أقل بكثير من الطموح ، ولكنني قبلت به حتى أتخلص من شعور أنني عالة عليك و على الآخرين !!

و بدأت أعمل بتخصص غير الذي درسته ، و راتبي لم يكن يكفي ، فبدأت أبحث عن عمل آ خر أكمل به يومي ، و حصلت على عمل آخر 

بأجر زهيد، فأصبح نهاري كله يذهب متنقلاً من هذا العمل إلى ذاك!!!

لم يبقى لدي وقت يا أمي لأبادر أو أساعد أو حتى أن أفكر ، فأصبحت أركض ويكأنني أدور في ساقية بحثاً عن اللانهاية والتي لا تأتي أبدا ، أصبحت يا أمي عصبياً ، لا أبادر لشيء للآخرين أو حتى لي!! لم أعد جميلاً !! و لم تعد عباراتك تشعرني بنفس الشعور ، مع أنني ألبس ملابس أكثر أناقة من ملابسي القديمة ، واستخدم عطراً فاخراً وقصة شعر مواكبة ، إلا أنني لم أعد أشعر بشعوري السابق !! و أيقنت ياأمي أن الجمال ما هو إلا شعور داخلي و لا يرتكز إلا إلى القناعات و الرضا الذاتي ، و أن نفس العبارة لا يمكنك أن تشعر بلذتها إلا إذا ما قيلت من قلب ٍ محبٍ ووصلت إلى قلبٍ محبٍ آخر ، يحب ذاته و الآخرين ، و أيقنت يا أمي بأن العين هي من ترى الشيء جميلاً أو لافنفس الأشياء التي كنت أحيك لها القصائد لجمالها لم أعد أراها جميلة !!!

مشاغل الحياة لم تعد تجعلني أراني جميلاً يا أمي!!!

أو أنني بالأصل لست كذلك !!

التعليقات مغلقة.