صحيفة الكترونية اردنية شاملة

القدر المثقوب

آخر الدّواء الكَيّ ، فلتعد الأمور اللي نصابها الصحيح حفظاً لديمومة الوطن وصوناً لمصلحة الأجيال .

يؤمن العقل الباطن لكل أردني وأردنية ، مقيم أو مغترب ، بأن مالية الدولة الأردنية أشبه بالقدر المثقوب ومهما بلغ المال المودع فيه سيبقى هناك هدر من جهة ، ومال بعيد المنال مُحَصَّنٌ من المَسّ لعلّة التهرُّب أو التجنُّب تحت عنوان النفوذ .

اليوم ، وبعد أن باتت مطاردة مال الدولة – مال الشعب – أمراً مفعولاً ، نكون قد إقتربنا من الشعور الذي يفترض فيه وأن يكون إعتياديّاً ، فالجميع تحت القانون ، والمنافسة الشريفة هي الأساس ، والعبء الضريبيّ واجب التوزيع بعدالة ، ولا شكّ أنّنا في بداية المشوار وما زال أمامنا الكثير ، وحسبنا أن يصبح هذا واقع يعيد الأمل لمن غلبه اليأس .

كما أننا اليوم ، بأمسّ الحاجة لـ” تسليف ” الثقة مرحليّاً ولا أقول منحها لمن يعملون على الجباية ، أو على الأقلّ ؛ تركهم يعملون بلا تشويش والتعاطي مع الوضع المستجدّ بإيجابيّة حماية لحقوق الطبقات المرهقة والأمن الإجتماعيّ ومستقبل الأجيال .

وعلى ذات الصعيد ، لا بد من الإقرار بأنّ لمارد الفساد مخالب وأشواك ، وتتطور هذه الوسائل مع تطور الزمان ، وكما أننا نعيب إغتيال الشخصية فإننا نحذّر من تداول الدعاية الهدامة التي تسعى لإجهاض الجهود ووأدها ، فكلا الأمرين قد يتم تداوله بلا إمعانٍ في المضمون ، ويقتصر أثر الأول – إغتيال الشخصية – على فردٍ أو جماعة بينما يشمل الثاني بأثره وطناً بأكمله ومسيرة دولة قد تُتَّهَم زوراً بالشخصنة أو تصفية الحسابات .

ما كان اليوم كان الأصل وأن يكون منذ زمن بعيد كي يستقرّ ويؤتي أُكُلَه ، فالمديونية وثقل العبء الضريبي والإثراء على حساب الخزينة شكاياتٌ شعبيةٌ مستمرّة أوهَنَت الشعور الوطنيّ ورسّخت أفكاراً لا يريد أحد أن يتخيلها ، تارة بأن الحكومات تحمي الفساد أو شريكة للمفسدين ، أو أن ما يجري سياسة تجويع مقصودة خدمة لمصالح أعدائنا إلى غير ذلك من إفتراءات وإفتئاتات .

والحقيقة الظاهرة ، أن التوجيهات العليا والواجبات الدستورية ثابتة لا تتغير ، لكن إستخدام الأدوات هو ما كان يعاني الضعف والتردّد والتراجع ، وإذا كان هناك ما يضر الإستثمار ويطرده فهو الفساد بكل أشكاله ، وأحدها التهرب والتجنب المتعارضان مع أصول المنافسة المشروعة واللذان يصنّفان المواطن لدرجة أولى أو ثانية بقدر خضوعه للقانون أو تنصّله من أحكامه ، وللدلالة على صحّة هذه النظرية فقد تعاظم حضور الإستثمار في الفترة التي شهدت فيها المملكة تقدماً على مؤشرات مدركات الفساد العالمية ، وجاء العكس بعدها بالعكس .

الخلاصة ، ذُكِرَ المال كأوّل زينة ‏في الحياة الدنيا ، لذا فإنّ إنتزاعه يزداد صعوبة من الأيدي المغلولة الجشعة ، وليدرك الجميع بأنّ ‏الدولة لا تملك حقوقاً كي تتنازل عنها أو تتراخى في استعمالها بل هي تمارس واجبات مكلفة بأدائها تحت طائلة الدستور والقوانين والقضاء ، وهي هنا ‏جابٍ مكلف بتحصيل الاموال التي يفترض فيها وأن ترصد لخدمة المواطن بالآلية القانونية العادلة ‏لا المشوهة التي عوقب فيها الملتزم وكوفيء عبرها المذنب فزاد الأول ضنكاً والثاني ‏سِعَةً .

آخر الدّواء الكَيّ ، فلتعد الأمور اللي نصابها الصحيح حفظاً لديمومة الوطن وصوناً لمصلحة الأجيال .

والله من وراء القصد .

التعليقات مغلقة.