صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مشكلة الخصخصة مع الحكومات

التخاصية في الأردن مثلها مثل أي مشروع وسياسة اقتصادية حكومية نُفذت، تحمل في طياتها إيجابيات وسلبيات، ولا يكون العلاج بالتطاول على المستثمر الأجنبي أو المحلي تحت حجج شعبوية واستقواء على القوانين والأنظمة، مستغلين ضعف الخطاب الحكومي الصريح والجريء في اتخاذ القرار السليم، وإنما يكون بالشراكة مع المستثمر في تعظيم دوره الاقتصادي والاجتماعي تجاه الاقتصاد الوطني عامة، والمجتمعات المحلية خاصة.

يحاول البعض نقل مشاكل الخصخصة التي حدثت في المملكة خلال الفترة الماضية مع المستثمرين الذين اشتروا حصص الحكومة في الشركات، متناسين ان مشكلة الخصخصة في الأردن هي مع الحكومات التي قررت البيع وفق أشكال متعددة أثارت تساؤلات مهمة في الشارع.

البعض يرى ان المستثمر حقق أرباحا خيالية جراء الخصخصة وبالتالي لا بد من إرجاع هذه الأرباح إما بالتنازل عن الأصول أو حتى بالتنازل عن تلك الأرباح، وهذا كلام ينافي العقل والمنطق، فالمستثمر لم يأت للأردن لاستثمار وشراء حصص الحكومة من اجل (سواد عيونه)، فقراره الاستثماري كان مبنيا على دراسات جدوى اقتصادية علمية وعملية مكنته من تحقيق تلك الأرباح التي هي حق شرعي له لا يجوز الطعن فيه أبدا، ولو ان الحكومة أحسنت في إعداد دراسات جدوى البيع لكانت عائدات صفقات الخصخصة افضل مما حصلت عليه.

ومن قال ان جميع مستثمري الخصخصة حققوا أرباحا، فمستثمرو الملكية حققوا خسائر منذ اليوم الأول وما يزالون على هذه الخسائر لغاية يومنا هذا.

تقرير اللجنة الملكية للتخاصية، أشار بوضوح إلى قصص النجاح بالتخاصية واعتبرها أنموذجا سليما في الإدارة والنزاهة، وأشار بشكل واضح أيضا إلى الاختلالات التي صاحبت بعض عمليات التخاصية في الكثير من المشاريع، وجميع تلك المشاكل مرتبطة بالحكومات وآليات بيعها لأسهمها وليس بالمستثمر، والإساءة للمستثمر ووصفه بأنه نهب الاقتصاد وخيراته هي إساءة للبلاد والمناخات الاستثمارية ولبيئة الأعمال المحلية، وهو نوع من الاستقواء على القانون وتوجيه جاهل للرأي العام فيه تجاوز على الحقيقة.

أما ما يتحدث به البعض من مطالبات باسترداد الشركات لأصولها وموجوداتها على اعتبار أنها استملكت فهو نوع من الجهل ونشر ثقافة الاستهبال في الشارع، باعتبار ان أصول الشركات هي ملك للآباء والأجداد، فهذا افتراء على القوانين والاتفاقيات التي وقعها الأردن، وأي شكوى من المستثمرين في المحاكم الدولية لتفنيد هذه المطالبات الشعبوية فإنها لن تأخذ اكثر من ثلاث جلسات لصالح المستثمر.

نعم مشاريع الخصخصة في الأردن لها إيجابياتها وسلبياتها، وكلها متعلقة بكيفية تعامل الحكومة مع مشاريع الخصخصة ومدى التزامها بمعايير الشفافية والنزاهة، وإن حدث شيء مريب فهو مسؤولية الحكومة وليس مسؤولية المستثمر الذي كانت الحكومات تبحث وراءه للدخول في تلك الصفقات، على اعتبار أنها ستعزز مكانة البلاد على الخريطة الاستثمارية.

الدولة مطالبة اليوم بالتدخل لأن حالة الشعوبية بدأت تنخر في المشهد الاقتصادي وتسيء لسمعة الأردن في الخارج، فليس من مصلحة الحكومة اليوم إثارة المشاكل غير القانونية مع المستثمرين الذين يرتبطون باتفاقيات تحكيم دولية في حال وجود نزاع.

من يريد استعادة أصول الشركات التي كانت قبل الخصخصة فليجهز أثمان الشراء لتلك الأصول حسب القوانين، وليس بالاستقواء على الدولة والمستثمر، وقد حصل في بعض المشاريع ان قام صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي بشراء حصص لمستثمرين دخلوا في صفقات التخاصية بأعلى مما اشتروها، مثلما حدث في صفقات شركات الكهرباء.

الأردن بأمس الحاجة إلى رؤية واضحة مع المستثمرين، وهو بأمس الحاجة إلى حوار صريح مع المواطنين لتبيان حقوقهم وواجباتهم فيما يتعلق بالتخاصية وما آلت إليه الأمور مع شرح واضح للموقف القانوني والحقوقي من تلك الصفقات التي كان بعضها مثالا يدرس في التخاصية مثلما هو الحال في المطار والبوتاس والمياه.

التخاصية في الأردن مثلها مثل أي مشروع وسياسة اقتصادية حكومية نُفذت، تحمل في طياتها إيجابيات وسلبيات، ولا يكون العلاج بالتطاول على المستثمر الأجنبي أو المحلي تحت حجج شعبوية واستقواء على القوانين والأنظمة، مستغلين ضعف الخطاب الحكومي الصريح والجريء في اتخاذ القرار السليم، وإنما يكون بالشراكة مع المستثمر في تعظيم دوره الاقتصادي والاجتماعي تجاه الاقتصاد الوطني عامة، والمجتمعات المحلية خاصة.

 

@SalamahDarawi

نقلا عن صحيفة “الغد”

التعليقات مغلقة.