صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لبنان على صفيح ساخن

يعيش لبنان واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية منذ عقود طويلة. معدلات الفقر تجاوزت 50 % ومعدلات البطالة ليست بالبعيدة عن ذلك، انهيار بأسعار صرف الليرة اللبنانية ما جعل معدلات التضخم تطاول السحاب، مديونية دولية تجاوزت 150 % للناتج المحلي الاجمالي، انهيار الجهاز المصرفي الذي يشكل 10 % من الناتج المحلي، وازمة نقدية وشح في العملة الصعبة افقدت المستثمر والمنظمات المالية الدولية الثقة بقدرة الاقتصاد على النهوض والاستمرار.
مؤشرات خطيرة جعلت من لبنان على شفير الانهيار وسط حالات انتحار وتندر شعبي لما آلت إليه الامور. حتى الكهرباء الضرورية للناس غير متوفرة لساعات طويلة نظرا لكلفة الطاقة المترتبة على انتاجها، والجيش يوقف تقديم اللحم الاحمر لجنوده نظرا لكلفته، والناس تتهافت على المخابز خوفا من ارتفاع الاسعار. عادت لبنان لعمليات المقايضة العينية البدائية بسبب تردي اسعار صرف الليرة اللبنانية وشح الدولار. يكفي ان نعلم ان الراتب الشهري للاستاذ الجامعي تقلص من 5000 دولار لـ900 وراتب قادة الجيش بحدود 750 دولارا بسبب انهيار الليرة.
لبنان مثال حي كيف ان تأجيل اتخاذ القرارات الصحيحة والصعبة له تكلفته العالية في المدى الطويل. حكومة بعد حكومة تشكلت لأسباب وتوافقات سياسية وطائفية رحلت القرارات وكانت معنية بتمرير المراحل اكثر من عمل ما هو صحيح وقويم للاقتصاد والبلد. تراكمت المشاكل والتحديات حتى اصبحت عصية على الحل، ما دفع الحكومة لوقف برنامجها مع صندوق النقد الدولي وهو بمثابة الاعلان عن عدم قدرة الاقتصاد على النهوض واتجاهه للانهيار الفعلي.
ويظهر استشراء الفساد والتوسع بالمديونية والإنفاق كأسباب رئيسة لما آلت إليه الامور، دون رقيب او حسيب ما دام التوافق السياسي والطائفي هو العامل الاهم وليس كفاءة القرار ونظافته ومصلحة الاقتصاد. وتأتي مواقف لبنان السياسية وعداؤه لمكامن القوة الاقتصادية العربية كعامل مباشر ايضا في ما وصلت اليه الاوضاع في لبنان، حيث الانحياز السياسي ضد الخليج والاقتراب من إيران بتأثير من حزب الله وما لذلك من تكلفة اقتصادية مباشرة على لبنان.
أزمة كورونا فاقمت الاوضاع الاقتصادية وسرعت بحدوثها ووضعت صناع القرار امام واقع خطير لم يقووا على التعامل معه. هذا التردي مرشح للاستمرار ما دامت الطائفية والفساد هما عنوان اللعبة السياسية في لبنان، وما دام حال الناس لا يعلو كأولوية على حسابات السياسة الاقليمية والتحالفات المكلفة. الهجرة باتت هي الحل الوحيد امام مئات الآلاف من اللبنانيين الذين فقدوا الامل في التغيير والاصلاح، يرون بلادهم تنحدر الى هذا المستوى بسبب اباطرة السياسة وزعماء الطوائف غير آبهين بشيء الا طوائفهم ومصالحها حتى لو عنى ذلك الاطاحة بمصلحة البلد.
ثمانية اشهر من الازمة لا يبدو انها شكلت حافزا لصحوة وطنية لبنانية، فالطائفة والمنطلقات السياسية الضيقة ما تزال سائدة، ولا يملك المواطنون امر تغييرها، والى حين حدوث تغيير في قواعد العمل الوطني اللبناني سيبقى لبنان واهله في ضنك شديد.الغد

التعليقات مغلقة.