صحيفة الكترونية اردنية شاملة

وطن كالمارد فلا نقزّمنّه

 

دولة عريقة عمرها ١٠٠ عام ، ملكيّةٌ مستقرّة ، نمت مؤسساتها ونضجت ، تساقطت حولها الأنظمة خلال تلك المسيرة وبقيت شامخة كحديقة وسط الحريق ، ورغم ذلك ما زلنا نتسائل عن دستورية وحدود إرادة ملكيّة إعتياديّة متكرّرة لم ترتب حقوقاً مكتسبة ولم تهدر المستحقّ منها ؟!

وكنت قد قررت الإنكفاء عن التعليق حول ما دار بخصوص الإرادة الملكية السامية بتكليف الحكومة المستقيلة بتصريف الأعمال حتى لا أسهم بزيادة التشويش ، لكن ؛ ولما أنتجته الإجتهادات من حالة غير مسبوقة في التشكيك بمؤسسية الدولة وأهلية سلطاتها ، قرّرت أن أدلي بدلوي – بإختصار – ضمن منظورين دستوريٌّ صرف وسياسيٌّ بحت ، فنحن لسنا نعيش في دويلة ناشئة بل دولة راسخة ناهزت قرناً من الزمان كما أسلفنا .

ولعلها المرة الأولى التي أسمع فيها بعبارة ” أن الدستور إذا سكت منع والقانون إذا سكت سمح ” ولا أدري حقيقةً أصل هذه العبارة التي وصفت بأنها قاعدة فقهية ! فإذا كان الوضع كذلك فما هي قيمة العرف الدستوري الثابت والمتأصّل والمتواتر ؟! أوليست سنّة الدساتير الإبتعاد عن الإسهاب وترك المجال للأعراف كي تكمّلها ؟

وقيل كذلك أن قرارات الحكومة في هذه الحالة باطلة ، رغم أن القاعدة تنص على أنه ” لا بُطلان إلّا بنصّ ” ! فأين هو ذلك النصّ القاضي بالبُطلان ؟

وبكل أسف ، أغفلت معظم الإجتهادات المتقابلة والمتعارضة النصّ الحرفيّ وإبتعدت إلى ما هو وراء النصوص رغم صراحة القاعدة الفقهية ” لا مساغ للإجتهاد في مورد النصّ ” ، فطالما أن الدستور قد حظر مسألة واحدة فلِمَ إذاً نتجاوز في تحليلنا إلى مالم يحظره الدستور ؟ ففي حين أنه لا يجيز تكليف رئيس الحكومة التي تنسّب بالحل بـ” تشكيل ” الحكومة التي تليها – وهذا ما لم ولن يحدث – يكون ما عداه صواب ولا يمكن التوسُّع في النصوص الدستورية لقدسيتها وإلزاميتها .

أما صلاحيات تلك الحكومة ، فمحكومة بالعرف الذي هو مصدر رسميّ مكمّل للدستور كما تقدّم ، وحتى مدة تكليفها بتصريف الأعمال فتقاس على ما سبق من عرفٍ وفقاً للأركان المادية والمعنوية المطلوب توافرها فيه ومنها أن يكون قديما وموحَّداً وإلى غير ذلك ، فتلتزم به الحكومة كما جرى العمل به تماماً ، إيجاباً وسلباً – كالإمتناع عن مباشرة بعض المهام – ، أمّا إذا كانت الحكومة ذاتها في حيرة من أمرها بهذه المسألة فتلك مصيبة أعظم !

ولا بد هنا من الرجوع لميلاد هذه النظرية والتي أنشأها مجلس الدولة الفرنسي – الذي طالبت قبل أسابيع بتأسيس مجلس أردني على غراره عبر مقالة منشورة – والذي حدد ضوابط حكومات تصريف الأعمال وأجاز منحها بعضاً من الصلاحيات الأستثنائية في الظروف الطارئة التي تمس الامن الوطني صيانة الصالح العامّ .

وإنّ إرادة جلالة الملك بمن يُكلَّف بتصريف الأعمال تعدّ من قبيل ” أعمال السيادة ” التي لا تقبل الطعن نظراً للضرورات التي تتناولها لغايات تسيير شؤون الدولة وسدِّ أي فراغ قد ينجم عن ذلك ، حيث أن العادة قد جرت في الغالب على تكليف الأمناء العامين بـ” تسيير ” أعمال الوزارات بينما هنا كلّفت حكومة بـ” تصريف ” أعمال الدولة نظراً لإستثنائية الحالة الطارئة التي نعيش ، أي أنّ هذه هي الأسباب الموجبة للإرادة التي تحوّطت للضرورات ولم تغفل عنها .

قد أكون أكثر من كتب وعلّق على مجاوزة الحكومات والمجالس النيابية للدستور ، لكني ألتزم عادة بذكر المخالفة والنص الذي جرت مخالفته ، أمّا الإجتهاد فلا بأس به من باب الإستئناس بالرّأي لكن ما جرى من تسابق – رغم تقديري لأصحابه – قام على فرضيات لم تقع ، وخالف أعرافاً مستقرّة لدينا ولدى أنظمة العالم أجمع ، وجعل من المسألة الإجرائية البحتة محلّاً للأخذ والرّدّ والتوسُّع حتى خرجنا من المشروعية والنصوص والأعراف السائدة إلى فضاء الفرضيات .

وإنّي إذ أُسجِّل مخالفتي للأكثرية المحترمة .

والله من وراء القصد

التعليقات مغلقة.