صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ماذا تعني مراجعة الصندوق؟

من يريد الاستغناء عن الصندوق فعليه ان يجهز نفسه بشكل واضح وقوي لمواجهة تداعيات الخروج اليوم من الصندوق تجاه الدائنين والممولين والمانحين والدول المختلفة، وغير ذلك لا يوجد لدينا أي خيار سوى تمكين الإدارات الماليّة في تنفيذ برامج الصندوق بروح وطنيّة تمكّن الحكومة من مواجهة أيّة مستجدات طارئة بأقل الكلف والخسائر.

ما زالت الأصوات تعلو بين الفترة والأخرى تجاه علاقة الأردن مع صندوق النقد الدوليّ، على اعتبار أنها تكريس لسياسات تزيد من المديونيّة والاعباء المعيشيّة على المواطن.
والمراجعة الأخيرة مع صندوق النقد التي انتهت الأسبوع الماضي لم تسلم هي الأخرى من هذا النقد الذي وصفه بعضهم أيضا بالتبعية.
بداية لا بد من توضيح بعض النقاط الأساسية التي تربط الصندوق بالأردن وهو ان الأخير من طلب اللجوء للصندوق نتيجة تدهور الوضع الاقتصاديّ له الذي كان في حالة انهيار بكل ما في الكلمة من معنى سنة 1989، ليس الصندوق من تطوّع لتوقيع اتفاق مع المملكة.
الاساس ان الدول يكون لديها خطط اقتصاديّة وطنيّة تلتزم فيها كُلّ السلطات لتنفيذها لكي تنعكس على تنميتها وأمنها الاقتصاديّ، لكن في الحالة الأردنيّة وقبل أزمة الدينار أواخر الثمانينيات لم يكن لدى الحكومات أي خطط اقتصاديّة وطنيّة قادرة على تحفيز الاقتصاد، وكُلّ ما كان لديها عبارة عن خطط تنمويّة للإنفاق لا أكثر، حتى بعد دخول الاردن في مظلة الصندوق لم يكن هناك خطط وطنيّة للتنمية الاقتصاديّة، واكتفت الحكومات بتنفيذ برامج التصحيح مع الصندوق بحذافيرها، ولم يتغير البرامج بتغير الحُكومات او فشلها في التنفيذ، والذي هو الناتج في الحالتين عن فشل الإدارات الرسميّة في إدارة الاقتصاد الوطنيّ.
اليوم الاردن يرتبط مع الصندوق باتفاق تصحيحي، هو مهم جدا بالنسبة لاقتصاد مثل الاقتصاد الوطنيّ الذي يعتمد في كثير من استقراره واستمراره على المساعدات الخارجيّة والمنح التي تقدم للخزينة لتخفيض العجز وتلبية تمويل نفقات الحكومة المتزايدة، ولا يمكن ان تحصل المملكة على تلك المساعدات من غير شهادة إيجابية من صندوق النقد الدوليّ الذي يعتبر الكفيل الدولي لضمان تحصيل ديون الدائنين على المملكة، ولا يمكن لاي دولة حتى ولو كانت صديقة وتربطها بالأزمة علاقات إستراتيجية خاصة ان تقدم أيّة مساعدات للمملكة دون موافقة الصندوق، واليابان أفضل مثال على ذلك، حيث رفض تقديم قرض بقيمة 300 مليون دولار دون ان يكون هناك برنامج إصلاحي مع الصندوق وهذا ما حدث فعلاً، وتم تربط دفعات القرض بالمراجعات الدورية للبرنامج مع الصندوق.
المراجعة الأخيرة مع الصندوق مؤشر هام الى مواصلة الدعم الدولي للاقتصاد الأردنيّ، وان المملكة مازالت محافظة على علاقاتها مع المانحين والمؤسسات الدوليّة وتتطور هذه العلاقة إلى إستراتيجية، وهو ما قد يساعد ايضا في جذب الاستثمارات والمساعدات للمملكة تحت مختلف الظروف الاستثنائية كما هو حاصل اليوم في ظل جائحة كورونا، فالمساعدات التي قدمتها دول العالم ومؤسساته للمملكة خلال العام الجاري والتي تتجاوز ال2.3 مليار دولار بين قروض ومنح جاءت أساسا نتيجة لوجود اتفاق تصحيحي مع الصندوق وليس نتيجة “الانجازات” الحكوميّة في إدارة الاقتصاد كما يتصوره بعضهم.
الاردن دولة فقيرة اقتصاديّاً بكل المعايير، والمساعدات هي أساس استقرار والاستمرار الاقتصادي الوطنيّ ونموّ القطاعات الاخرى، وهذا ليس بامر جديد، بل هو ممتد منذ تأسيس الامارة، فالمساعدات كانت هي عصب الاستقرار والنموّ، وغير ذلك عبارة عن “كلاشيهات” إعلامية ترددها الحُكومات وبعض الأصوات خاصة عندما تتحدث عن الاعتماد على الذات.
من يريد الاستغناء عن الصندوق فعليه ان يجهز نفسه بشكل واضح وقوي لمواجهة تداعيات الخروج اليوم من الصندوق تجاه الدائنين والممولين والمانحين والدول المختلفة، وغير ذلك لا يوجد لدينا أي خيار سوى تمكين الإدارات الماليّة في تنفيذ برامج الصندوق بروح وطنيّة تمكّن الحكومة من مواجهة أيّة مستجدات طارئة بأقل الكلف والخسائر.

 

التعليقات مغلقة.