صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الفرحة والسلامة… حق ومسؤولية…

سعدنا جميعا أيما سعادة بفوز نخبة من أبناء الوطن في الانتخابات النيابية الأخيرة… إخوة وأخوات أعزاء لنا، على امتداد الوطن الأعز من أقصاه لأقصاه، نجحوا في اجتياز المعترك الانتخابي بعد مسيرة طويلة من المثابرة والجهد والعمل الموصول والدؤوب لتحقيق الغاية السامية والنبيلة… طريق طويل ووعر تخلله هبوط وصعود ولكنه توج في نهايته بالفوز المستحق وبجدارة. لكل ذلك فإن شعورهم بالغبطة والسرور بالإنجاز هو ليس أمرا طبيعيا وحقا مشروعا فحسب، بل أننا أيضا نشاركهم فيه فرحا صادقا لإخوة لنا نحبهم في الله ونعتز ونفتخر بنجاح كل واحد منهم..

بالرغم من كل هذا، فإن بعض أشكال التعبير عن هذه الغبطة والسعادة في بعض أنحاء المملكة ومن قبل بعض الفائزين ومؤازريهم ومحبيهم، تجاوزت كل حدود العقل والمنطق… أسلحة نارية خفيفة ومتوسطة، وحتى مدافع تطلق ذخائرها، وأحيانا من قبل أطفال في سن الورود يتأبطون أسلحة أوتوماتيكية بالكاد يستطيعون السيطرة عليها، وسط تجمهر كثيف من المؤيدين والمناصرين. مناظر تقشعر لها الأبدان لخطورتها وبشاعتها. وتجمهر بالمئات أمام أو داخل مقرات السادة النواب الجدد في وسط جائحة لعينة تنتشر في أرجاء الوطن انتشار النار في الهشيم، ودون الأخذ بعين الاعتبار للحد الأدنى من وسائل السلامة العامة من التباعد الجسدي ولبس الكمامات.

هو تحد واضح لشرعة الله وسنة نبيه الكريم الحاثة دوما على المحافظة على النفس البشرية وسلامتها، بقوله تعالى في محكم كتابه الكريم “ولا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة” وقوله عز وجل “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما”. وحديث رسوله عليه افضل الصلاة والتسليم “ما جعل الله من داء إلا جعل له دواء… علمه من علمه وجهله من جهله”… اضافة لكونه امتهانا وتعديا على حق الطفل بالمحافظة على طفولته ورعايتها… هذا ناهيك ان كل هذا يشكل أيضا تحديا صارخا وفي العلن لأوامر الدفاع، وخاصة تلك المتعلقة بحظر التجوال والتجمهر. وقد اشار جلالة الملك المعظم لهذا التعدي الصارخ وبشكل واضح في تغريداته الغاضبة بالامس والتي انهاها بقوله باننا في دولة قانون و “القانون يطبق على الجميع ولا استثناء لاحد”…

هذا مع قناعتي من مشاهداتي الخاصة بأن معظم من تجمهر للإحتفال بفوز بعض السادة النواب ويصدحون بأعلى الصوت ابتهاجا وتهليلا، هم ممن عارضوا إجراء الانتخابات النيابية أصلا أو ممن ناصروا منافسين آخرين، في تجسيد حقيقي عند البعض لمفهوم النفاق المجتمعي.

قد يقول البعض بأن الحق والملامة يجب أن تقع هنا على الحكومة لأنها لم تستجب لنداء العقل والمنطق بتأجيل الانتخابات لأشهر قليلة لحين التمكن من السيطرة على انتشار الجائحة، وقد يكون في هذا الطرح شيء من الصحة والمنطق (بالرغم من ان الجائحة ستبقى ولن تنتهي خلال اشهر) . وقد يرد آخرون بأن الحق إنما يقع على الوعي المجتمعي، الذي اتسم بالإندفاع والمبالغة في التعبير عن الفرحة، بالتجمهر وإطلاق النار الكثيف، متجاوز بذلك أبسط قواعد السلامة العامة، وقد يكون في ذلك الطرح أيضا شيئا من الصحة والمنطق.

بالرغم من صحة هذا الطرح وذاك وبدرجات متفاوتة، إلا أني أضع جل الملامة على بعض الأخوة الفائزين الذين سمحوا بحدوث هكذا ممارسات تحت ناظريهم، بل أنهم كان يحفزونها وينتشون لحدوثها ويتفاعلون معها أيضا، وبذلك يكون بعض السادة النواب الجدد قد رسبوا في أول امتحان واجهوه بعد نجاحهم الميمون. ألمفارقة التي وضعت حاجتهم لإشباع شعورهم بنشوة الإنجاز في كفة، ووضعت سلامة وأمن محبيهم ومناصريهم والمجتمع الذي انتخبوا لخدمته في الكفة الأخرى، فدفع غرور ونرجسية بعضهم إياهم لترجيح الأولى على الثانية في سقوط مدو أمام أول امتحان. سقوط سيدفع محبوهم ثمنه بعد أسابيع قليلة بزيادة عدد الإصابات والوفيات في مناطقهم لمستويات غير مسبوقة… مما يجعل بعض السادة النواب الجدد شركاء في الجريمة، جريمة التسبب غير المقصود في مقتل وايذاء العديد من ناخبيهم ومناصريهم، وعليهم كقادة مجتمعيون ونواب ممثلين عن مجتمعاتهم ان يتحملوا مسؤوليتهم المباشرة عن إهمالهم هذا المبالغ فيه…

الفرحة بالانجاز حق مشروع… ولكن المحافظة على سلامة الوطن والمواطن هو واجب ومسؤولية… وخاصة من قبل ممثلي الشعب.. وعلى من افرط فيها تحمل مسؤوليتة المباشرة عن ذلك امام الله والعباد…

ولا حول ولا قوة إلا بالله…

حفظ الله الاردن عزيزا وقويا ومنيعا… وحماه شعبا وارضا وقيادة…

الدكتور احمد ذوقان الهنداوي

التعليقات مغلقة.