صحيفة الكترونية اردنية شاملة

“صبوا القهوة وصبوا الشاي”..

بالرغم من ان الاردن بلد لا يزرع القهوة ولا يقطف اهله اوراق الشاي من سفوح جبالهم الجرداء الا ان القهوة والشاي اصبحا المشروبين الاساسيين للمجتمعات الريفية والحضرية والبدوية على حد سواء. في القرى والبادية وبعض احياء المدن ما يزال الشاي المشروب الاكثر رواجا وشهرة فلا يخلو مطبخ اردني من ادوات صنعه ولا مجلس او مناسبة من تقديمه. في مختلف المواسم والمناسبات بقي الشاي المادة الاولى والمشروب الاكثر تداولا واستهلاكا تقدمه الاسر لضيوفها ويحتسيه الافراد مع وجبات الفطور وبعد كل وجبة او وليمة او احتفال.
وكما انتشر الشاي واخذ مكانا متقدما على قوائم المشروبات التي يستهلكها الاردنيون حافظت القهوة على منزلتها باعتبارها المشروب الاكثر رواجا ورمزية بين الاردنيين فقد بقيت المحبوبة السمراء التي قال الشاعر انها تجلى بالفناجين واصبحت متعددة الانواع والنكهات ويجري اعدادها بطرق تتراوح بين الغلي والتقطير والعصر. ومع كل التحولات التي شهدتها القهوة وصناعتها فقد استمرت القهوة العربية المرة “السادة» التي تعد في الدواوين ومجالس الشيوخ الاكثر رواجا والاوسع شهرة والاكثر دلالة يقبل الجميع على تناولها وتقديمها ولا يجرؤ احد على اختراق طقوسها فهي موروث يحظى بالحماية والتحصين الذي يتعاضد الجميع على تحقيقه لها.
في الحوارات والاحاديث والتفاعلات التي تجري بين الناس توجه الدعوات باسم القهوة فكثيرا ما نسمع البعض يقول “تفضلوا اشربوا فنجان قهوة» وهم يقصدون دعوة على الغداء او العشاء. وقد تذهب اسرة لزيارة اخرى بهدف التعرف على الاسرة التي ينوون التقرب منها ومصاهرتها بقول “حابين نشرب عندكم فنجان قهوة». الدلالات والرمزية التي تحملها القهوة اليوم متشعبة ومتداخلة ومتنوعة قد لا يتمكن من لا يملك الجنسية الثقافية الاردنية فهمها فقد تغلغلت المعاني والاستخدامات للقهوة في طرق التفكير والتفاعل والاستخدام بحيث اصبح لتقديمها وشربها ورفضها ومواعيدها دلالات تتجاوز مذاقها وطيبها ونوعية اعدادها.
في التراث الشعبي الاردني تضبط الجلسات والاجتماعات بمواعيد تقديم القهوة ويمكن اختبار دفء او برود العلاقة من خلال تمرين تقديم القهوة واستجابة الضيوف الذين قد يتحاورون بلا مفردات فصد الفنجان او رده او التوقف عن شربه او الثناء على القهوة ومن اعدها مفاتيح مهمة لمسار واتجاهات التفاعل بين الزوار والمستقبلين. في الحالات التي تتحرك فيها الوفود القبلية والجاهات للاصلاح والمصاهرة والمقاضاة وطلب الحق تستخدم القهوة لضبط ايقاع اللقاء فلا حديث جديا قبل تقديمها ويقوم “الزائر او الضيف او الجاهة ” بلفت انظار الجميع بتسلم الفنجان ووضعه جانبا بانتظار ان يأذن له المضيف بالطلب فيسوق الطلب ويقدم الحجة وينتظر الرد الذي سيدفعه لشرب القهوة ان كان مرضيا او مغادرة المجلس ان رفض الطلب. لحرص الشيوخ على ارضاء الناس وعلى الا ترد قهوتهم تشكل القهوة وربط شربها بالإيجاب وسيلة للضغط على ارادة المضيف.
على امتداد الشوارع الواصلة بين عمان وجوارها ووسط احياء المدن والقرى تلمح المئات من اليافعين الذين احترفوا التلويح بصحون الشاي والصواني والقيام بحركات لافتة في محاولة لتشجيع المارة على التوقف لشراء كوب من الشاي او فنجان من القهوة. هذه الظاهرة الجديدة تحكي مائة قصة فهي تتحدث عن حجم البطالة وقسوتها التي دفعت بالآلاف للتوجه الى حرفة بيع الشاي وعن الاوضاع الاقتصادية التي لا تشجع الناس على المخاطرة في انشاء اعمال جديدة وعن نقص التدريب الذي يتلقاه شبابنا بالرغم من الحاجة التي تدفعهم للقبول بأي عمل قد يسد رمقهم.
تجارة الشاي والقهوة التي اصبحت علامة فارقة في شوارعنا تذكرني بأغاني سميرة توفيق ” صبوا القهوة وصبوا الشاي..واسقوا اللي زارونا …يا مرحبا باللي جاي ..واللي شرفونا ” لا ادري اذا كانت سميرة توفيق وكاتب الكلمات وهما يعدان هذه الاغنية يمهدان لهذه المرحلة التي اصبحت الاغنية تصلح كشعار لها.الغد

التعليقات مغلقة.