صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لِمَ يحكُمُ اليهودُ العالمَ؟

0

مع مرور مِئة عام ونيّف من الزمن على قطعِ وزيرِ الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، وعدَه الشهير للورد ليونيل والتر روتشيلد، بإنشاءِ “وطنٍ قوميٍ للشعب اليهودي في فلسطين”، لا يزال الكثيرُ من عامةِ العربِ وبعض خاصّتِهم، غير مُدركٍ لمُسوّغات منحِ امبراطوريةٍ عُظمى تَحكُم بقبضَتِها أركانَ المعمورة، ذلك التعهد لشرذّمة من الناسِ متفرقة في أقاليم العالم السبعة، بحسب تقسيم ابن خلدون إياها جغرافيا.

ولا يجدُ بعضُنا تبريراً لمواظبةِ الإمبراطوريةِ الأميركيةِ -التي تولّت دفّة قيادة العام خلفا لسابقتها وشقيقتها الأنجلو سكسونية- دعمَها المفرِط لكيانٍ استولى على أرضٍ، تمكّن عبر آلتيه الإعلامية والمالية من اقناع العالم بأنها كانت شاغرة من أي شعب، ذلك الدعم المُطلق ما انفك متشبثاً بمكانةٍ راسخة لا يُمكن أن يُختلّف بإزائها تناوب وتبدّل الإدارات الديموقراطية أو الجمهورية المتواترةِ في وصولها سدة حُكم البيتِ الأبيض.

ومن الناحية الديموغرافيا المنطقية، لا يجدُ غالبيتنا سبيلاً لفهم سِرّ تغلّبِ قرابة 6 ملايين يهوديٍ يستوطنون فلسطين التاريخية، على آخرين يحيطونهم ويفوقونهم عدداً بنحو 66 مرة!!، وهو منطِقٌ كان صالحاً وحاسماً في عهود المواجهة المباشرة التقليدية البائدة، بيد أن تقفّي أثره أضحى مستحيلَ التطبيق في عصر يحكُمه التطورُ التقنيُ وقُدرات الردع، فضلاً عن حصريةِ حيازةِ مفاتيحِ ومغاليقِ مؤسسات المالِ والإعلام.. والسياسة أيضاً كتابعٍ لهما.

وهنا لا يأتي حُكمنا على هؤلاءِ القومِ من بابِ ديانتهم، فاللهُ تعالى يفصِلُ بين الجميعِ يوم الحساب، وإنما نرنو لمحاولة التقرب قدر المستطاعِ من أدواتهم التي تمكنوا عبرها من توظيفِ قدراتهم غير المتناهية لتحقيقِ ما يصبون إليه.

يجدُ الساعي لتحري معرفة أسرارَ تلك السطوة التي مَكنّت اليهود من فرضِ كلمتهم ومنطقهم على الدولِ المسيطرةِ والحاكِمةِ للعالم، بأن لتلك الهيمنة ما يبرِرُها حين يتلمس جذورها التاريخية القريبة أو البعيدة، أو إن سعى للتعرف عن كثب على تلك القدرات المالية والإعلامية التي مكنتهم من النفاذ لعمقِ دوائرِ قرارِ تلك الدول العظمى بل والتحكم في مصائرها أيضاً وإن كان ذلك على حساب المواطنين البريطانيين سابقا والأميركيين في الوقت الراهن،، نفوذُ بمقدوره تطويع القرارات وتشويه قناعات الرأي العام، وهو أمرٌ لم يُتح لنا كدولٍ منفردةٍ أو ككيانٍ عربيٍ ملتئم، وذلك في ظل انشغال هذا الأخير بأمور تُعدُ ابتدائيةً في مقاييس العصرِ المُعاش من قبيل الاهتمام بسباقات الخيول والجِمال والغناءِ وصناعة أكبر قِدر من الحلوى بُغية التشرف بتسطير منجزاتنا في كتاب جينيس.

الجذورُ التاريخية المتصلة بحاضِرنا التي تُبرر الهيمنة الاقتصادية ليهود العالم على من سواهم، تجدها اليوم متجليةً في مراكز المال الرئيسة (لندن – فرانكفورت- طوكيو)، وهي ذات السطوة التي تراكمت وتعمق أثرها بمرور السنين، فهي تقريباً تلك التي تجدُها حاضرة مرويةً في كتبِ التاريخِ الشارحةِ لسياساتهم المالية والنقديّة المكبّلة لغيرهم بتعامُلِهم الربوي بالفائدة في يثرب ومحيطها قبل البعثة النبوية، وهي ذاتها التي تمكنوا خلالها من السيطرة على أسواق الذهب والصرافة والإقراض في بغداد والبصرة ودمشق والإسكندرية وتونس طيلة الفترة التي سبقت منتصف القرن الماضي، وستجدها أيضا بالغة الوضوح والتأثير في القرار البريطاني بمنحهم الوعد المشؤوم، حيث لجأت إليهم لندن لإعادة تعبئة خزائنها المفرغة من المال المتدفق للجند الخائضين لغمار الحرب العالمية الأولى، وستكونُ أكثرَ جلاءً ووضوحاً في المدينة التي تحتضن أهم المؤسسات المصرفيةِ والماليةِ والإعلاميةِ بالعالم، حيث لن يجد زائر نيويورك صعوبةً في تلمُسِ مقدارِ هيمَنتهم على كياناتها بما يخوّلُهم توظيفها لخدمة مصالحهم وأغراضهم المحلية والدولية.

وفي هذا المقام، لا يُمكن لنا حصرُ أدواتِ القوةِ ومصادرُها التي مكّنت اليهود من التحكم بقرارات الدول الكبرى ومصائر مواطنيها، لكننا نسعى لحوصلة بعضها بما يُسهم في تقريبِ الصورةِ الشاملةِ وتبسيطها، دون أن نغفلَ بأن العالم يعبأ فقط بمن يمتلكُ أدوات القوة والتأثير بقنواتها المُختلفة، ويربأ بنفسه عن التعاطي مع الكياناتِ المُتهالكة التي تعجزُ عن تلبيةِ الحدِ الأدنى من متطلباتِ رعيّتها، وما يستتبع ذلك من فقدانها الأهليةِ الكاملةِ لفرض تأثيرها ومنطِقَها على كيانات نظيرةٍ لها أو تفوقها حجماً وأهمية.

أولاً: لم يأت منح بريطانيا العظمى، اليهود، وعد بلفور، دون مساهمة الطرف الثاني في مساعدة الأولى عسكرياً وعلمياً، إذ أهدى حاييم وايزمان، الحكومة البريطانية، مادة الأسيتون التي تستخدم في صنع الذخائر الحربية، والتي ساهمت في ترجيح كفة لندن وحلفائها في الحرب العالمية الأولى.

ثانياً: إغراق أسرة روتشيلد، الحكومة البريطانية بالديون، بدءاً من منحها 100 مليون جنيه لحروب نابليون، مرورا بتمويلها لشراء أسهم قناة السويس من الحكومة المصرية عام 1875، كما واصلت النسج على ذاتِ المنوال، حيث قدمت للندن الدعم المالي اللازم لمواجهة متطلبات حرب القرم، فكانَ ردُ العرفان لتلك العائلة الثرية من خلال منحِها وعد بلفور.

ثالثاً: لم يكن بمقدور الولايات المتحدة الأميركية، الارتقاء إلى رتبة القطب العسكري الأهم بالعالم، دون مساهمةٍ من اليهود في حصول ذلك، إذ تكفّل إنريكو فيرمي وروبرت أوبنهايمر، اعتمادا على نظريات لألبرت آينشتاين، في تمكين واشنطن من التوصل الى بناء أول قنبلة نووية عام 1945، علماً بأن العلماء الثلاثة ينتمون لذات الديانة اليهودية.

رابعاً: تمكّن الاتحادُ السوفييتي السابقُ من التحول لقوة نووية عقب نجاح الولايات المتحدة الأميركية بتحقيق ذلك بوقت يسير، غير أن إنجاز ذلك كان غير ممكن الحصول بدون مساهمة اليهودي البيلاروسي الأصل جورج كوفال، وهو ما يبررُ تسابقِ موسكو وواشنطن على الاعترافِ بدولة إسرائيل في الأمم المتحدة، كنوعٍ من رد الجميل من جهةٍ، والإقرارُ بأهمية وفائدة ذلك الكيان المصطنع وسكانه لمصالحهما الحيوية والإستراتيجية من جهة ثانية.خامساً: يحتكرُ اليهود صناعةَ النفط في العالم، إذ كانت أسرة روكفيلر أول من بادر باستخراج المُنتجِ وتصفيتهِ بالولايات المتحدة الأميركية عام 1870 من خلال شركة “ستاندرد أويل” التي تمخّض عنها مجموعة شركات تحملُ مسمياتٍ مختلفة وتحظى بامتيازات حصرية لاستكشاف المادة الخام في حقول غالبية البلدان، و بمرورِ الوقتِ أصبح القرارُ السيادي الأميركي بالخارج مرتبطٌ بالمصالحِ الاستراتيجيةِ لتلك العائلة و تفرُعاتها، وهنا لن نجد غرابةً في تخلّي ريكس تيلرسون رئيس مجلس إدارة شركة “إكسون موبيل” عن موقعه لينضم لإدارة دونالد ترامب كوزيرٍ للخارجية، وهُنا أيضاً يتبدّى أهمية الاستيلاء على فلسطين ذات الموقع الحيوي القريب من مسارات التجارة ومنابع النفط.

سادساً: ذاتُ الأسرةِ هي التي تسيطرُ على أكبر بنوك الاستثمار في العالم، فأحد تلك المصارف ويدعى “جي. بي. مورجان تشايس” يمتلكُ أصولاً تضارعُ قيمة الناتج الإجمالي للعالم العربي البالغ 2.5 تريليون دولار.

سابعاً: حتى وقتنا الراهن، لا يُدرك غالبية الأميركيين، مبرر تحمُلهم ضرائبَ تتحول غالبيتها لسداد مديونية بلادهم التي تربو على 17 تريليون دولار، تلك المديونية التي تسببت بها سياسات بنك الاحتياط الفيدرالي المخول الوحيد باتخاذ قرار طبع الأموال دون غطاء من الذهب، كما لا يُدرك جُلُ المواطنين في الولايات المتحدة أن هذا البنك -الذي يتحكم بقوتهم وأرزاقهم- هو مصرفٌ خاصٌ غير حكومي، يُدار من قبلِ نخبةٍ الصيارفة اليهود المتحالفين والداعمين للسلطتين التنفيذية والتشريعية في واشنطن، ممن يغرقون أولئك الأفراد بالمديونية ويتحكمون بشكل الدورة الاقتصادية بالعالم وأسعار السلع والنفط والأسهم، وهنا لن يجد أيٌ منّا صُعوبة في التعرفِ على أسماءِ الشخصياتِ التي تتولى إدارة دفةَ هذا البنك في الماضي والحاضر، والذين نذكُرُ مِنهم مثلاً وليس حصراً كلاً من الآن جرينسيان وبن شالوم برنانكي والرئيسة الحالية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين.

ثامناً: يمتلكُ اليهودُ غالبيةَ القنواتِ الإعلاميةِ المؤثرة بالرأيِ العامِ العالمي وصياغة سياسة البلدان، فروبرت مردوخ مثلاً حائزٌ للشركةِ التي تتبعُ لها قناة “فوكس نيوز” الإخبارية المشهودُ بمناصرتِها العمياء لإسرائيل وعدائها الشديد للقضية الفلسطينية، هذا إلى جانبِ امتلاكه عشرات وسائل الإعلام المرئية والمقروءة التي لا تقِفُ عند حدودِ صحف “نيويورك بوست” الأميركية و”التايمز” و”الصن” البريطانيتين، وهذا الأمر ينسحبُ على مجموعةِ “تايم وونر” المالكة لشبكة “سي إن إن” والتي بيعت مؤخراً لشركة الاتصالات الأميركية “آي تي آند تي” بقيمةِ 85 مليار دولار.

تاسعاً: كان بمقدور أحد أقطاب المال اليهود منفرِداً، الإطاحة باقتصادات 7 دولٍ آسيويةٍ في عام 1997، حين أسفرت مُضارباتِ جورج سوروس بعملات تلك البلدان عن انهيار منظوماتها المالية والنقدية، الأمرُ الذي دفعَها للهرولةِ إلى صندوق النقد الدولي للحصولِ على قروضٍ قيمتها 40 مليار دولار بفوائد متنامية ومتراكمة، هذا الصندوق -الذي كانَ لليهودِ دورٌ في إنشائه عبر اتفاقية بريتن وودز- هو ذاته الذي تناوبت شخصياتٌ يهوديةٌ على مهمةِ إدارتهِ من قبيلِ الفرنسي دومينيك ستراوس كان.

عاشراً: الشخصياتُ اليهوديةُ هي التي تولّت إدارة أغلب المؤسساتِ الماليةِ والتجاريةِ الناشئةِ أيضاً عن اتفاقية “بريتن وودز” فور انتهاءِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، إذ لم تقتصر إدارة البنك الدولي على روبرت زوليك وبول وولفويتس، ولم ينحصر الأمرُ في باسكال لامي لتأدية مهمة إدارة منظمة التجارة العالمية.

حادي عشر: شركة نستله السويسرية، التي تعد أكبر مؤسسة بالعالم لصناعة المنتجات الغذائية المُتعارف عليها والمُتداولة بيننا، هي التي تتحكم بأسعارِ محاصيلِ القمحِ والحبوبِ المتداخلة في مُنتجاتها، كما انها من تتفاخر عبر موقِعها الإلكتروني بكونها أول من موّل إنشاء مستوطناتٍ لليهودِ شمالي فلسطين خلال فترة الانتدابِ البريطاني، هذا الدعم التاريخي أخذ أبعاداً متناميةً ومتصاعدةً منذ ذلك الحين.

ختاماً، ما تقدّم لم يأتِ من بابِ تهويلِ حجمِ القُدرة الضاربة التي يتمتعُ بها اليهودُ حول العالم، إذ أن ما نجهله بشأنهم يفوق أضعافَ ما نعرفه حيالهم، لكن ما نعلمه يقيناً بأن العالمَ العربي ككتلةٍ واحدةٍ لا يمتلكُ أدوات الضغط والتأثير التي يُمكن أن تكون مُهابة الجانب وذات فاعليةٍ في تطويعِ القراراتِ الدوليةِ لصالحِ القضيةِ الفلسطينيةِ التي لم تعُد مصيبتنا الوحيدة مع تكرُرِها في سوريا والعراق واليمن وليبيا وسواها، ودون أن يتم وضع استراتيجيات ذات معالم واضحة تقودنا للوصول لمرحلة التأثير، فإننا لربما سنواصل إحياء ذكرى وعد بلفور طيلة مئويات أخرى قادمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.