صحيفة الكترونية اردنية شاملة

آهات رجل تجاوز الثمانين !!!

كنت اسمع وأفهم كل غمزاتهم ولمزاتهم وحركاتهم… نعم أنا ابلغ من العمر أربع وثمانون عاماً ولكني وبحمد الله مازلت أسمع وأرى ويكأنني شاب في العشرينات ولكن أحفادي لا يلبثون بأن يشيرون لبعضهم البعض معتبرين انني إنسان أصم وأبكم وأعمى .. آه يا زمن ! عصبة من الأطفال يتهامسون وأنا الكبير (الختيار) بينهم، ما اسرع الايام…للآن لم أدرك أنني ذلك العجوز المسن !

– حبايبي لا ترتبطوا فيي خذوا راحتكم ولا تتقيدوا

– لا يا جدو… إحنا جايين نسليك ونساعدك

– طبعا هذا الهدف النبيل ولكن ما يحدث غير ذلك، فالكل يتحدث ويتغامز بصوت خافت -وشوشة- و الباقي منهم يمسك هاتفه النقال ويغيب فيه في عالمه الخاص وأبقى أنا وحيداً كما كنت قبل زيارتهم…

– لقد توفيت زوجتي قبل واحد وعشرين سنة ولم أرضى بأن أتزوج لأعتني بأبنائي وبعد زوجتي بدأ الأحبة بالرحيل واحداً تلو الآخر فقدت صديق عمري (علاء) وبدأت بعد علاء وزوجتي (أم فيصل) تضيق الحياة أمام ناظري وأصبحت في كل يوم أتلقى خبر موت فلان … ثم فلان … ثم فلان وأثناء ذلك تزوج ابنائي ومنهم من سافر والباقي استقل في بيته وبقيت وحيدًا أنتظر زياراتهم المتقطعة ،،،،، الجميع يحيط بي عن بعد والكل ينتظر موتي في كل لحظة وأنا كالواقف في طابور الأموات أنتظر دوري فقط…

كم هي مزعجة تساؤلات البعض هل لازال أبو فيصل حياً؟!

كم تزعجني هذه العبارة!! وكم تزعجني عبارات الاطمئنان على صحتي المبطنة بضحكة سخرية…

المشكلة أن في جعبتي الكثير الكثير من الأعمال والقصص والمستقبل ولكن جميع مع حولي لا يرون هذا الشيء!! ولا يعنيهم بشيء فما أنا إلا ماض…

لا يرون إلا أنني الوحيد الحي من أبناء جيلي وأني دفنت كل أصدقائي… ويكأنني أنا من اخترت طيلة العمر!

آه كم يؤذيني هذا الشعور وهذا الكلام وهذا التلميح !

يبدأون برواية قصصهم وبطولاتهم… يقول أحدهم لقد عملت كذا وكذا وضربت فلان وفلان…. ويتباهى بقوته…. وعندها اغيب وأتمنى أن يكون علاء هنا ليخبركم عن بطولاتي أنا كيف كنت أسيطر على الحي بأكمله وكم خضت من المعارك وانتصرت بها جميعها لدرجة أني أصبحت رمزاً للقوة في الحي الذي أعيش به ولكن! من سيخبركم بذلك!!

وهذا يتباهى بذكاءه وذلك بمهاراته وذلك وذلك…

آه لو أن خضر وإيهاب ورئيف ونواف هنا لسمعتم من القصص والقضايا ما يبدأ ولا ينتهي وكيف خط كل منا قصة نجاح في معارك مدروسة وانتصرنا بها الى ان وصلنا الى ما نحن عليه…

كلما التقينا معًا كنا نتذكر هذه القصص كم كانت جميلة !

ولكن أنا وحيد الآن… أنتظر بفارغ الصبر لقاء أحبتي لأن هذا العالم الذي لا يضم من أحب لا يعنيني فما قيمة الذكريات دون وجود من نشاركهم اياها!!

يالله كم هي موجعة ذكريات الناس الغائبين!!!

وكم هو مؤلم أن تروي قصة لمن لم يعيشها معك لأنها لا تعنيه!!

أعيش في عزلة مع نفسي رغم أن الجميع يحيط بي ، مشاعرهم باهته، أصبحت واجباً مملاً للكثيرين، أعيش مع ذكرياتي وكتبي وكتاب الله باحثاً عن الحقيق والمشاعر التي افتقدتها والتي قد لا أجدها إلا عندما اجتمع مع جميع أحبتي…. في العالم الآخر!!!

كم هي ثقيلة الأيام ! أصبحت أختصر الحديث لأنني أرمق نظرات الشك في عيون من أروي لهم قصصي !

اذا أصمت كثيرًا وأنتظر كثيرًا مع أن في جعبتي الكثير وفي قلبي ألم كبير …

التعليقات مغلقة.