صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تسريع التحول الرقمي في الاوقات الصعبة

فرضت جائحة كورونا أوائل العام 2020 واقعاً جديداً ساهم في إبراز أهمية الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي أصبحت السلاح الأول والركيزة الأساسية في مواجهة تداعيات الجائحة وآثارها، ومن هنا جاء شعار الاتحاد الدولي للاتصالات هذا العام ” تسريع التحول الرقمي في الأوقات الصعبة ” احتفالاً باليوم العالمي للاتصالات ليؤكد حاجة الدول إلى تطبيق وتبني هذا التوجه الهام ليس في الأوقات الصعبة فقط بل في جميع الأوقات.

لقد تناولت في مقال سابق تحت عنوان “التحول الرقمي ضرورة وطنية” تم نشره في النصف الأول من العام الماضي موضوع التحول الرقمي أشرت من خلاله إلى أهميته بإعتباره خطوة استباقية واستراتيجية مهمة على البلدان تبنيها لتحسين الكفاءة التشغيلية في الشركات والمؤسسات ولتحسين الجودة وتبسيط الإجراءات، وتطوير الخدمات المقدمة للمستفيدين وتوفير الكلف، بالإضافة إلى أهمية التحول الرقمي في خلق الفضاء المناسب للإبداع والإبتكار ومساعدة المؤسسات والشركات على التوسع والانتشار في نطاق أوسع ناهيك عن المساهمة في إنجاز المعاملات التجارية والصناعية والمالية بشكل أسرع وبجودة أعلى، خصوصاً وأن جائحة كورونا قد أبرزت الفوارق الرقمية الهائلة بين بلدان العالم ما أستدعى أهمية التركيز على تذليل العقبات أمام تلك الفوارق وتقليصها قدر الإمكان حتى لو احتاج الأمر إلى كلف مادية كبيرة، لأنه في المقابل ستكون النتائج واعدة على المدى الطويل ما يصب في مصلحة البلدان التي تتبنى هذا التوجه.

وكما أسلفنا فإن جائحة كورونا أظهرت الحاجة الملحة للتحول الرقمي الكامل الذي لن يتم إلا باستيعاب تكنولوجيا الجيل الخامس الذي يُعطي المستخدم الحرية الكاملة في توظيف التكنولوجيا الآمنة من خلال تقسيمات الشبكة التي سوف يُخَصّص أجزاء منها للتعلم عن بعد وأخرى للصحة والصناعة والنقل وغيرها من القطاعات من خلال خاصية (Network Slicing) مع ضرورة التركيز على أهمية دعم حماية الشبكات من الهجمات السيبرانية ورفع المناعة الأمنية للشبكات وذلك من خلال تدريب العاملين على الشبكات في مجال الأمن السيبراني وايجاد خصائص ووسائل الحماية الإلكترونية.

ونحن في الاردن وفي خطوة ريادية لجعل الأردن سباقاً في ادخال الخدمات المتطورة إلى السوق الأردني، فقد قمنا في العام 2019 بمخاطبة شركات الاتصالات المتنقلة في المملكة وذلك لاتاحة المجال لإجراء تجارب فنية لتشغيل شبكات الجيل الخامس (5G) للاتصالات المتنقلة، كما قامت الهيئة بالتعاون مع الجهات المعنية بدراسة إعادة توزيع الترددات وتنظيمها وخاصة التي من الممكن استخدامها في الجيل الخامس وتطوير الأطر التنظيمية الخاصة بها، كما قامت الهيئة بعقد عدة ورشات تدريبية بخصوص الجيل الخامس والتحول الرقمي والمشاركة في ندوات عالمية متخصصة حول آخر ما يستجد من تكنولوجيا الجيل الخامس بغية بناء القدرات الفنية والتنظيمية، حيث أن الجيل الخامس يتميز بالسرعات العالية لنقل البيانات الضخمه واندماجها مع التكنولوجيا المتقدمة القائمة على تقنيات حديثة، مما يؤهلها لان تكون منصة اقتصادية تدعم التحول إلى الاقتصاد الرقمي ومفاهيم الثورة الصناعية الرابعه، فشبكات الجيل الخامس لن تكون شبكات ومنصات اتصالات تقليدية تدعم خدمات الاتصالات وتراسل المعطيات فقط، بل ستكون منصات اقتصادية تتيح تقديم خدمات وتطبيقات في قطاعات الصحة والتعليم والنقل والمياه والصناعة والمدن الذكية وغيرها.

وبهذا الخصوص وانطلاقاً من حرص الهيئة على تسهيل اتاحة تقديم خدمات انترنت الأشياء فقد قمنا في العام 2021 بترخيص أول شركة لتقديم خدمات انترنت الاشياء في المملكة لما تتيحه هذه الخدمات من إمكانية لإيجاد مبدأ المدن الذكية التي نصبو أن نكون السباقين فيها على مستوى المنطقة ، حيث أن منح هذه الرخصة للشركة سوف يتيح لها المجال للمباشرة بتقديم خدمات انترنت الاشياء (IOT) في عدة قطاعات مثل القطاع الصحي والزراعي والصناعي و التعليمي بالإضافة لأنظمة تتبع المركبات إضافة إلى عدادات المياه والكهرباء.

وأعيد وأؤكد أن التحول الرقمي يستدعي تبني استراتيجية وطنية شاملة تلامس كافة القطاعات والمؤسسات والجهات الحكومية، وينتج عنها استراتيجيات قطاعية تصل إلى مستوى الشركة والمؤسسة باستراتيجية الوحدة الواحدة ( (Strategy Functional، خصوصاً أن الأردن يملك العديد من الممكنات؛ ولعل أولها وأهمها الشباب المتعلم الذي يمتلك القدرات الهندسية والتكنولوجية، إضافة إلى وجود الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة في مجالات الحلول المحوسبة والتي تشكل محوراً رئيساً للتحول، أما الممكن الثاني فهو استخدام عدة تقنيات كالحوسبة السحابية في المؤسسات والدوائر، واستخدام التوقيع الالكتروني (E signature ) للتعاملات في التجارة الالكترونية، وكذلك استخدام تقنية البلوك تشين ( (Blockchainفي البنوك ومعاملات الأراضي وفي اجراءات الانتخابات النيابية والبلدية، واستخدام انترنت الأشياء ( (IoT في المدن الذكية لمراقبة الشبكات الخدمية والذكاء الاصطناعي ( (AI في مجالات التحليل والمراقبة والقانون والصحة والأنظمة التشغيلية، كما يعتبر استخدام البيانات الضخمة هام جداً في مرحلة التحول الرقمي لاستخدامها في الاستشراق وتمحيص القرارات وتبني خطط معتمدة على البيانات والتحليل والوصول إلى مرحلة القرارات المبنية على نماذج رياضية، أما الممكن الثالث فيعتمد على الجهات الحكومية والشركات والتي عليها مراجعة عملياتها الإجرائية -وهي مجموعة النشاطات التي تنتج خدمة معينة أو منتج معين- والقيام بتحسينها وزيادة كفائتها ( (process improvements واعادة هندسة بعضها إن كانت لا تصلح.

وبناء على ما سبق، فان المعطيات والمؤشرات تدل على أن الحاجة ملحة لضرورة التوجه نحو التحول الرقمي في أعمالنا المتنوعة ، سيما ونحن نعيش تداعيات جائحة عالمية فتكت باقتصاديات الدول وعملت على تغيير العادات والتقاليد والسلوكيات الاجتماعية للأفراد، وبرزت مفاهيم جديدة لا بد من التعامل معها بكل ثقة ومسؤولية على النحو الذي يسهل تسيير الاعمال وتقليل الكلف والجهود المبذولة.

التعليقات مغلقة.