صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من هم دافعو الضرائب؟

الغالبية لم تكن تدفع الضريبة المطلوبة منها، سواء كانوا أفرادا او شركات، وغير دافعي الضريبة التقليديون لم تكن هناك مساهمات ضريبيّة من باقي افراد وقطاعات المجتمع

دراسة نوعية لمنتدى السياسات الاستراتيجيّة تحت عنوان من هم دافعو الضرائب في الأردن، خلصت بأن القاعدة الضريبيّة في المملكة ضيقة، وان عددا محدودا جداً من شركات القطاع الخاص والأفراد هم من يتحملون دفع الجزء الأكبر من الضرائب للخزينة.
هذه الخلاصة ليست بجديدة، لكنها جاءت اليوم نتيجة لبحث علمي أظهر ان الوعاء الضريبيّ في الأردن يميل بشكل كبير تجاه فئة معينة في الاقتصاد، وليس صحيحا كما يروج له ” الشعبويون” ان دافعي الضرائب في المملكة هم غالبية المواطنين من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فهذا الأمر محض افتراء وغير صحيح على الإطلاق.
فمن يصدق ان إيرادات ضريبة الدخل البالغة قيمتها اكثر من 1.1 مليار دينار، تدفع 38 شركة فقط أكثر من 68 % منها، وهذه الشركات محصورة في البنوك والاتصالات والتعدين والطاقة تحديداً.
ومن يصدق أيضا أن إيرادات ضريبة المبيعات البالغة قيمتها اكثر من 3.825 مليار دينار، يأتي ما يزيد على نصفها تقريبا من سلعتين اثنتين فقط هما الدخان والمحروقات وبقيمة إجمالية تناهز الـ2.2مليار دينار.
والأمر لا يختلف أيضا عن الضريبة الخاصة البالغة قيمتها الإجمالية ما يقارب الـ850 مليون دينار، فهناك 12 سلعة مثل السيارات والمشروبات والاكسسوارات تشكّل وحدها أكثر من نصف عائدات هذا البند وحده.
في المقابل لا أحد يتحدث عن حجم الإعفاءات الضريبيّة التي تشكّل عشرات السلع من أي رسوم ضريبية فيما يتعلق بضريبة المبيعات، فهناك 230 سلعة معفاة من الضريبة او ضريبتها صفر او أنها أقل من 4 %، وغالبية هذه السلع أساسية وضرورية ولها ارتباط مباشر في الأمن المعيشي للمواطنين مثل الأرز والسكر والزيوت والألبان والشاي والبقوليات وغيرها من عشرات السلع التي تشكّل القاعدة الأساسية لسلة الاستهلاك لدى العائلة الأردنيّة.
حتى الأفراد الذين يتحدث الكثير منهم عن تحملهم لأعباء ضريبة الدخل على دخلهم فالأمر في غالبيته لا يعدو كونه عادة التذمر دون وجود سند أساسي لهذا الأمر، فغالبية المشاركين في الضمان الاجتماعيّ وتحديداً بنسبة تتجاوز
الـ90 % منهم دخولهم أقل من 700 دينار، وأكثر من 85 % من موظفي القطاع العام دخولهم أقل من 800 دينار، وفي كلتا الحالتين هما لا يخضعان لضريبة الدخل.
المؤشرات السابقة خاصة فيما يتعلق بوضع القطاع الخاص والتمركّز في الوعاء الضريبي وحجم الثقل لكل شركة، يعطي دلالة واضحة على التشوّه الحاصل في الهيكل الضريبيّ وتوزيعاته، فالقلة القليلة هي التي تدفع الكثير مقابل ان الكثير لا يدفع سوى القليل، ولعل السبب الرئيس في ذلك قد يكون عمليات التهرب الضريبي التي كانت سائدة في العقود الماضية والتي للأسف كانت تتم بتواطؤ بين عاملين في الضريبة وتدقيق حسابات وأصحاب العمل الذين شرعوا لأنفسهم المخالفات والتهرّب الضريبيّ على مدى سنوات طويلة.
هذا الأمر يقودنا للإجابة على التساؤلات التي تظهر بين الحين والآخر والتي تنظر بشك لعمليات التسويات الضريبيّة التي تحدث مؤخرا والتي تكون في العادة بعشرات الملايين من الدنانير، لدرجة أن البعض يشعر وهو يتابع قرارات مجلس الوزراء الخاصة بالموافقة على هذه التسويات بأن الغالبية في الأردن لم تكن تدفع الضريبة عليها بالشكل القانوني.
للأسف هذا الامر صحيح، فالغالبية لم تكن تدفع الضريبة المطلوبة منها، سواء كانوا أفرادا او شركات، وغير دافعي الضريبة التقليديون لم تكن هناك مساهمات ضريبيّة من باقي افراد وقطاعات المجتمع، وهذا ما كان دائما يتحدث به البنك الدولي خلال مفاوضاته مع الحكومات المختلفة، وأشار في أكثر من مناسبة بأن حجم التهرّب الضريبيّ السنوي في الأردن يتراوح بين (600-800) مليون دولار، وهذا ما أثبتته نتائج الاصلاح الضريبيّ الذي تم بموجب القانون الأخير والذي بدأ تطبيقه في العام 2019 والذي أظهر حجم التهرّب الضريبيّ الحقيقي بعد عمليات دراسة الملفات الضريبيّة من جديد، وهو ما يستدعي توسيع قاعدة المكلفين خاصة من القطاع الخاص الذي يحقق أرباحا في أنشطته وأعماله المختلفة، والتشدد في مكافحة التهرّب الضريبيّ.

 

التعليقات مغلقة.