صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أولوية الشعوب العربية الأمن والخبز وليس الديمقراطية

تعاني الغالبية العظمى من الدول العربية ، بدرجات متفاوته ، من حالات ومظاهر عدم إستقرار سببها أزمات داخلية سياسية وإقتصادية وإجتماعية ، وتدخلات أمنية وعسكرية إقليمية ودولية يهدد كياناتها ، وأصبح الكثير من هذه الدول ، وفقا لمعايير دولية ، تصنف دولا فاشلة أو هشة وبعضها على أبواب الإنهيار . كما تعاني هذه الدول من أزمات متعددة في ظل إستعصاء الحلول ، وهناك خشية جدية من إنهيار بعض هذه الدول نتيجة الشلل الذي يضرب مؤسساتها، وحالة الاحتقان الاجتماعي التي تعكس خيبة أمل الناس تجاه النخب السياسية التي تدير الشؤون العامة للدولة ، وكذلك الإنسداد السياسي والشلل الحكومي والأزمة الإقتصادية والمالية وغياب إرادة الإصلاح لدى الأطراف الممسكة بمقاليد السلطة .
لقد نجحت أنظمة الحكم بالدول العربية بعد الإستقلال في بناء سلطة (مؤسسات حكم وجيوش وأجهزة أمن ) وليس دولة ، حيث كانت ضرورية بالبداية لتحقيق البناء والإستقرار الداخلي ، لكن الحال إستمر ولم تنجح في إستكمال بناء دولة المؤسسات والإنتقال إلى الديمقراطية . وقد طرحت العديد من المبادرات الإصلاحية (سياسية وإقتصادية وإدارية وإجتماعية) منذ حصول هذه الدول على الاستقلال ولغاية الآن، إلا أن معظم هذه المحاولات قد أصابها الفشل في التنفيذ .
والديمقراطية بالمفهوم المطبق بالدول الغربية تقوم على أسس محددة : الفصل بين السلطات ، تداول السلطة ، حرية الفكر والرأي ، العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات ، حق المواطنة ، حرية تكوين الأحزاب ، الصحافة الحرة والمسائلة والرقابة ، وهي غير متوفرة في معظم البلدان العربية بسبب عدم توفر التربة الخصبة لنجاح الديمقراطية ، لان الديمقراطية ليست آلية ميكانيكية تطبق وإنما ثقافة وإسلوب لحياة الناس بكل المجالات ، وتحتاج الى تعليم وتأهيل وتدريب على ممارستها .
وجاءت أحداث الربيع العربي على شكل إنتفاضات شعبية سلمية وبعضها مسلحة ضد الإستبداد والفساد وإنتصارا لكرامة الإنسان العربي المهدورة في أكثر من بلد عربي ، على أمل تغيير الواقع العربي والتحول نحو الديمقراطية مثل بقية شعوب الأرض . لكن بعد مرور 10 سنين على أحداث الربيع العربي ، فشلت هذه المحاولات بالتحول الديمقراطي لأسباب كثيرة (خارجية وداخلية ) ، إذ لا تزال عدد من دول الربيع العربي (سوريا ، اليمن ، ليبيا ) تعاني من حروب أهلية وتدخلات إقليمية ودولية وأصبحت دولا فاشلة ، كما تم الإنقلاب على تجربتي التحول الديمقراطي في مصر وتونس ، كما أن هناك دولا أخرى تصنف بأنها فاشلة (الصومال ، العراق ، السودان ، لبنان ).
ومن المؤسف أن الإنسان العربي قد أصيب بالإحباط والقنوط واليأس من محاولات التغيير ، وأصبح يتمنى ويرجو أن تعود الأمور كما كانت قبل أحداث الربيع العربي ، وأصبح هناك حنين لعودة الأنظمة السابقة القوية المستبدة التي كانت تضمن للإنسان العربي الأمن والإستقرار والحد الادنى من إحتياجاته الأساسية من التعليم والغذاء والدواء والمسكن والطاقة والكهرباء .
فلا نستغرب أن الشعوب العربية وصلت الى مرحلة أن تحتفل بسقوط التجارب الديمقراطية كما حدث سابقا في مصر وحاليا قي تونس ، بعدما كانت تحتفل بسقوط الانظمة الديكتاتورية . ويبدو أن الشعوب العربية أصبحت بعد مرارة أحداث الربيع العربي تواقة لرجل قوي مستبد وعادل لإدارة شؤون الدولة ، لتحقيق أهم إحتياجات الإنسان في الحياة وهي الأمن والإستقرار والخبز “أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف “.
وفي الختام يبدو بأن الديمقراطية لم تعد تشكل أولوية بالنسبه لمعظم الشعوب العربية ، وأما الأصوات التي تطالب بالديمقراطية فهم أقلية من الأحزاب والنخب السياسية الطامحة للمشاركة بالسلطة وتقاسم المكاسب والكعكة. والدليل على ذلك نسبة المشاركة بالإنتخابات وهي نسب متدنية جدا (رغم التلاعب بزيادة نسبة المشاركة ) ، وهي تعكس إحجام الغالبية العظمى من الناس عن المشاركة باللعبة الديمقراطية لأنها ليست من أولوياتهم وإهتماماتهم ، وإنما الأولوية للأمن والخبز فقط .

التعليقات مغلقة.