صحيفة الكترونية اردنية شاملة

كلف التراجع عن الإصلاح الاقتصادي

الأصل ان يكون لدى الحكومة خطة رعاية اجتماعية، تتضمن تقديم مبالغ مالية مباشرة لكل الأردنيين المستحقين للدعم في القطاعين العام والخاص

كثيرة هي القرارات التي تأخرت الحكومات في تنفيذها أو تراجعت عنها في موضوع الإصلاح الاقتصادي، ودفع المواطن ثمنها فيما بعد بإجراءات رسمية كان لها تداعيات سلبية على أمنه المعيشي.
الأردن الذي تخرج من مظلة صندوق النقد الدولي في العام 2004 بعد العمل ببرامج التصحيح الاقتصادي لما يقارب الـ15عاما متواصلة عقب انهيار الدينار والأزمة الاقتصادية الحادة التي شهدتها المملكة في العام 1989، عاد إلى الصندوق من جديد في العام 2012 وبشروط قاسية اقتصاديا، تمثلت في رفع الدعم عن المحروقات وزيادة التعرفة الكهربائية، وزيادة الرسوم الضريبية على الكثير من السلع والخدمات.
هذا كله بسببب تقاعس الحكومات في مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والتي من أهمها تحرير قطاع الطاقة، وإيصال الدعم إلى مستحقيه، والكل يذكر جيدا حين تراجعت حكومة البخيت في سنة 2007 عن آلية التسعير للمحروقات، وجمدت العمل بها، والتي على إثرها استقال نائب رئيس الوزراء وزير المالية الدكتور زياد فريز، ليخرج بعدها رئيس الوزراء ويقول ان لغة الأرقام لا تعنيه بقدر ما تعنيه لغة الإنسان، لتكتشف الحكومة بعد ذلك ان عجز الموازنة ارتفع بحوالي 400 مليون دينار، تحملها المواطنون من جيوبهم بعد رفع أسعار وضرائب كثير من السلع بما فيها المحروقات.
مشروع الناقل الوطني للمياه أحد أبرز المشاريع المتداولة في ذاكرة الأردنيين، وكان على الدوام في اجندات الحكومات المختلفة، وقيمته في ذلك اي قبل عقدين من الزمان ما يقارب الـ800 مليون دينار، وبقيت حبراً على ورق، وتقاعست كل الحكومات عن السير في تنفيذ هذا المشروع الحيوي للمملكة التي تعد من أفقر عشر دول في العالم بالمياه، إلى ان وصلنا الى هذه المرحلة المؤسفة بالوضع المائي، وها هي الحكومة تسير اليوم بالخطوات الأساسية لتنفيذ المشروع الذي يعتمد على تحلية مياه البحر، بكلفة تقديرية أولية قد تتجاوز ملياري دينار.
مشروع التوسعة الرابعة لمصفاة البترول الأردنية، والتي كانت جميع الكلف بعقد التسعينيات لا تتجاوز الـ600 مليون دينار في الوقت الذي كان هناك عقد امتياز من الحكومة للشركة، ورغم الحاجة لمشروع التوسعة لأسباب استراتيجية واقتصادية، إلا أن تأخر الحكومة في دفع عجلة تنفيذ هذا المشروع رفع كلف المشروع الإجمالية اليوم إلى اكثر من 2.6 مليار دولار بالحد الأدنى.
إصلاح القطاع العام الذي كان من المفترض ان تكون كلفته بحدود الـ82 مليون دينار في ميزانية العام 2012، لكن نتيجة التخطيط السيئ، والشعبويات التي سعت الحكومات إليها، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الجريئة في وقتها، كلفت الخزينة هذه الخطة أكثر من نصف مليار دينار، وهو مبلغ أكبر بكثير من كل قضايا الفساد المالي التي شهدها القطاعان العام والخاص مجتمعين منذ تأسيس الإمارة.
مسألة الإصلاح الاقتصادي في الأردن دائما ما تواجه بعقبات في استمرارية تنفيذها، والحكومات هي من يضع هذه العقبات وتتحمل مسؤوليتها بالكامل نتيجة سعيها لشعبيات زائفة لتغطي عجزها الإداري في محاولة تحقيق عدالة التوزيع لمكتسبات التنمية.
قرار الحكومة الاخير بالتراجع عن تسعير المحروقات يتطلب من المسؤولين أخذ العبرة من الماضي وما حدث من تداعيات مالية دفع المواطن ثمنها.
الأصل ان يكون لدى الحكومة خطة رعاية اجتماعية، تتضمن تقديم مبالغ مالية مباشرة لكل الأردنيين المستحقين للدعم في القطاعين العام والخاص، والدعم يكون كافياً ويغطي كل كلف الزيادات في الأسعار بدل من الدعم الموجه للسلع والذي يعتبر تشوها حقيقيا، يستفيد منه الميسور قبل الفقير، وكأن الحكومة تدعم الأغنياء على حساب الفقراء، ولكم يا حكومة في لبنان ووضعها الاقتصادي الراهن أوضح العبر.

التعليقات مغلقة.