صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ماراثون إعادة بناء الأحزاب ؟! – 2

أوضحنا بإيجاز شديد الوضع على جبهتي اليسار والإسلاميين وبقي «الوسط» وهنا عقدة العقد كما قلنا. فهنا التحدي الأكبر في عملية اعادة البناء الأحزاب وإنجاح مشروع تحديث المنظومة السياسية.
لكن لنقف أولا امام المصطلح فتعبير « الوسط « فضفاض للغاية ويشمل كل من لا يحسب نفسه على الاتجاهات الفكرية التاريخية من الإسلاميين ( يمكن تسميتهم باليمين؟ ) الى الإشتراكيين والقوميين (يمكن تسميتهم باليسار؟ ) ولا نتحدث عن الأحزاب المرخصة فحسب بل المستقلين وهم الأغلبية الساحقة المستهدفة بالانضمام للعمل الحزبي ومنهم المسؤولون السابقون المدنيون والعسكريون وأغلبية النواب والأعيان الحاليين والسابقين ورؤوساء واعضاء مجالس الحكم المحلي ومختلف الهيئات والجمعيات والنقابات والوجهاء المحليين والأكاديميين ثم بصورة خاصّة وسط المال والأعمال والتكنوقراط .
نسبة التسييس في هذا الوسط وبصورة عامّة متدنية وهذا حال البلد عموما في ظلّ الغياب المديد للحياة السياسية. ويمكن لجميع من سبق ذكرهم ان يجتمع على شعارات عامة نتجامل بها عادة لكن في المواقف الملموسة تجاه القضايا فما يفرق اعظم كثيرا مما يجمع. فأي فكرة أو لاصق أساسي إذن يمكن ان يجمع هذا « الوسط» في حزب سياسي؟! مع الأسف اللاصق ليس واحدا بل أكثر واللواصق هي بعدد الانقسامات العمودية المعروفة في المجتمع أو ما نطلق عليه الهويات الفرعية. خذ مثلا الخلاف حول الهوية الجامعة والخوف على الهوية الوطنية الأردنية أو خذ الخلاف حول مفهوم الدولة المدنية والمواطنة المتساوية.
على كل حال ولو حاولنا تليين التقسيمات وعقلنة المشهد فيمكن ان نتحدث عن اتجاهين رئيسيين محافظ وليبرالي. أما اقتصاديا فنتحدث عن نزعة رأسمالية ليبرالية ونزعة دولاتية بيروقراطية ويمكن وضع تصنيفات اخرى متنوعة نبين كم ان تعبير «الوسط» يغطي تكوينا متنوعا وأجندات شديدة التباين وهو ما يبين حجم التحدي في تحقيق معجزة التوافق على حزب أو حتى حزبين او ثلاثة وهذا قبل ان نتحدث عن تجاوز المصالح والحسابات الشخصية وإمتلاك الرؤية والقدرات والكاريزما القيادية لجمع الناس تحت مظلة واحدة أو مظلتين أو ثلاثة.
على الأرض لا شيء يتحرك بإتجاه الوحدة بل هناك مشروع حزب جديد قيد الترخيص ( الميثاق ) ودعوات لتشكيل حزب من شخصية وزارية سابقة، وربما دعوات اخرى لم نطلع عليها. أما ضمن الأحزاب الوسطية المرخصة فقد علمت عن مشروع يجمع حزب العدالة والاصلاح الذي ولد نتيجة اندماج سابق مع بضعة احزاب حالية للاندماج لكنها لم تصل بعد الى نتيجة، ولا علم لي عن تحرك محدد لأحزاب أخرى كحزب التيار الوطني الذي أسسه المرحوم عبد الهادي المجالي أو حزب الاتحاد الوطني وغيرهم هذا مع ان معظم الأحزاب تتواجد سلفا في تحالفات وهيئات تنسيق لكن الاندماج أمر مختلف تماما.
ما الحلّ اذن؟ لعله التصفية الإجبارية على غرار الشركات المعرضة للإفلاس. وهذا لن يبدأ الا بعد اقرار قانون الأحزاب حيث ستصبح الأحزاب بين خياري الحل أو الدمج. والأهم وضع نظام تمويل عام انتقالي خاص بالفترة الممتدة من اقرار قانون الاحزاب الجديد وحتى الانتخابات القادمة يخص التمويل بعمليات التأهيل والاندماج والتوسع. وأنا لست من حيث المبدأ مع منع اي حزب سياسي من الوجود مهما كان عدد اعضائه لكن مع تمييز الأحزاب التي توافق على برنامج للتأهيل والتوسع والاندماج لتشكيل أحزاب كبيرة لخوض الانتخابات.
التصفية في النهاية عملية اجبارية ستقوم بها الانتخابات ذاتها اذ ستفرز عددا محدودا من الأحزاب سوف تأخذ تمثيل جميع الفئات التي لم تنجح لها احزاب او استنكفت عن المشاركة في العملية السياسية. الجوانب الفنّية مهمّة من أجل السيناريو الأفضل وهو أن تحدث التصفية مسبقا بالتراضي عبر أطر موسعة جدا ومرنة حيث يترك للعملية الديمقراطية داخل كل تجمع ان تفرز القيادات والمرشحين . وهذا يحتاج الى جهد استثنائي ودعم من الدولة ايضا وقد يبدو حلما مثاليا لكن لا ينبغي السعي نحوه.الدستور

التعليقات مغلقة.