صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هزيمة أخرى في مجال التعليم والمعرفة!

تراجع كبير مني به الأردن على مؤشر المعرفة العالمي للعام الحالي، حين احتل المرتبة 103 عالميا، و11 عربيا. في العام 2019، كان الأردن يحتل المرتبة 70، ما يحيلنا إلى التراجع المخيف في هذا المؤشر، فخلال عامين فقط، خسرنا 33 مرتبة. هذا ليس تراجعا، بل فشل كبير، وهدر حقيقي لرأس مالنا البشري الذي نعجز عن تأهيله للعلوم المطلوبة للعصر الحالي، وجعله منافسا على الوظائف، وقادرا على الإبداع والابتكار.

وحين نعرف أن هذا المؤشر يقيس المعرفة في قطاعات التعليم قبل الجامعي، والتعليم التقني والتدريب المهني والتعليم العالي والبحث والتطوير والابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، والاقتصاد، والبيئات التمكينية، يمكن لنا، أن نستشعر حجم الكارثة التي تجرنا إليها السياسات المطبقة في هذه القطاعات الحيوية، والتي لم تستطع أن تنتشلنا من سلسلة الإخفاقات والتراجع، بل تجرنا إلى الخلف، كما لو أننا قانعون بأن مكاننا الطبيعي هو ذيل القائمة!

الواضح، بحسب بيانات المؤشر، أن التراجع كان جليا في المؤشرات الفرعية المعنية بالتعليم العالي والتعليم التقني والتدريب المهني والتعليم ما قبل الجامعي. وتنشر الغد في عددها الصادر اليوم تحليلا للزميل ابراهيم مبيضين يشرح ذلك بشكل جلي.

التعليم السائد اليوم هو أصل العلة، وبيت الداء، فخلال العقد الأخير تم تجريب جميع “الوصفات” على أبنائنا في الصفوف المختلفة، وأصبح الجميع خبراء تعليم على منظومتنا التعليمية بما تشمله من مناهج وبيئة مدرسية ومعلمين وإدارات وسياسيات تعليمية، ومع ذلك سجلنا الإخفاق تلو الإخفاق، بينما هوت مخرجات منظومتنا التعليمية إلى الحضيض، وهي المنظومة التي فاخرنا بها على مدى عقود طويلة، وهي نفسها المنظومة التي خرّجت المتميزين ممن أسهموا بنهضة التعليم في العديد من الأقطار العربية التي بنت منظوماتها بسواعد وعقول الأردنيين. فلماذا تراجعنا؟!

لا يمكن لنا أن نتجاوز التأثيرات الكارثية للقرارات العديدة التي اتخذها مسؤولون في ملف التعليم، والتي “اجتهدوا” خلالها “في مكان النص”، وبما لا يسمح بالاجتهاد. ومع كل تلك الاجتهادات، ما تزال مناهجنا تقدس الحفظ بدلا من الفهم والاستيعاب، وتكرس ملكة التذكّر بدلا من التحليل والتركيب، وتزدري عمليات العقل لمصلحة الامتحان والعلامة المرتفعة.

إنها منظومة عفا عليها الزمن، وسوف تؤدي بنا إلى خراب أكبر خلال سنوات قليلة جدا، خصوصا ونحن نتابع التطورات في البنى التعليمية بالبلدان المجاورة التي أسسنا فيها منظوماتها التعليمية.

لا أعرف إن كان المسؤولون المعنيون دقوا ناقوس الخطر بعد أن تم إعلان هذه النتائج الكارثية، أم أن نهارهم سار بطبيعية كبيرة وكأن شيئا لم يكن. لا أعرف حقا إن كان هؤلاء المسؤولون يمتلكون خططا لإصلاح منظومة التعليم التي كانت سببا رئيسيا لتراجعنا على مؤشر المعرفة، رغم أنني لست متفائلا بأن تكون الحكومة تضع هذا الملف أولوية لها.

في مقال سابق أشرت إلى ضرورة تشكيل لجنة ملكية لإصلاح التعليم على غرار اللجنة التي تشكلت من إجل تحديث المنظومة السياسية، لأنه لا يمكن لإصلاح اقتصادي أو سياسي أو إداري أن يتحقق ما دامت مدارسنا وجامعاتنا لا تستطيع تخريج جيل قادر على التحليل والتفسير والفهم.

الفجوة العلمية والمعرفية تتسع بيننا وبين العالم من حولنا، هذه لن تكون مجرد فجوة على الورق فحسب، فتداعياتها سوف تكون مؤثرة على الأجيال القادمة، وعلى التطوير والتنمية في بلدنا، وأيضا على الناتج القومي الإجمالي الذي سوف يظل خاضعا لاعتبارات أنماط العمل والإنتاج التقليدية، ما دام غير متاح لنا فتح باب الإبداع والابتكار، وتطوير البحث العلمي من الأساسي إلى التطبيقي، وصولا إلى مراحل التتجير.الغد

التعليقات مغلقة.