صحيفة الكترونية اردنية شاملة

النفقات الجارية.. محلك سر

هذا هو الوضع الجامد للنفقات الجارية والتي هي بأمس الحاجة لتأمينها، ولا يكون ذلك إلا من خلال زيادة الاعتماد على الذات وتطوير عمليات التحصيلات الماليّة للخزينة بشكل اكثر عدالة

هناك نفقات جارية في الموازنة لا يمكن التلاعب فيها او التحرك باتجاه تخفيضها أبداً، فهي للأسف ثابتة او تكاد تكون جامدة بالأصح، فالقدرة على المناورة في مخصصاتها معدومة.
فرواتب الجهاز المدني تبلغ 1.922 مليار دينار، تصرف لأكثر من ربع مليون عامل في القطاع العام، وهي تزداد عاما بعد عام بموجب الزيادات السنويّة للعاملين وفق نظام الخدمة المدنية، ومهما كانت الزيادة متدنية فهي لن تقل كلفها على الخزينة بالحد الأدنى عن 100مليون دينار سنويّاً.
اما مخصصات الجهاز العسكري وجهاز الامن والسلامة العامة فهي تقترب من حاجز الـ2.846 مليار دينار، ناهيك عن مخصصات التقاعد المدني والعسكري والتي تناهز الـ1.655مليار دينار، وهذه كلها مستحقات لا يمكن تخفيضها او تأجيلها، فهي تشكّل رواتب ودفعات لا تتأجل أبداً.
الدين هو الاخر من البنود الجامدة التي تشكل مبالغها رقما صعبا لا يتغير في الموازنة العامة، ففوائد الدين وحدها تبلغ 1.428 مليار دينار للعام 2022، وهي مخصصات تدفع في أوقات ومواقيت محددة من العام، واي تاخير يرتب على الاردن غرامات ماليّة إضافية على الفوائد، ناهيك عن السمعة السيئة التي قد تلحق بالمملكة في حال تراجعها عن سداد جزء من التزاماتها الخارجيّة، إضافة إلى ذلك بند النفقات التشغيليّة الذي يبلغ 465 مليون دينار لاستدامة عمل جهاز الدولة بوزاراته ومؤسساته وهيئاته المختلفة.
البنود السابقة وهي (رواتب الجهاز المدني، والجهاز العسكري والأمن والسلامة العامة والتقاعد المدني والعسكري وفوائد الدين والنفقات التشغيليّة) يشكلون لوحدهم ما نسبته %91.2 من إجمالي النفقات الجارية.
يبقي في هذا البند فقط مخصصات الدعم النقدي ودعم الاعلاف (60مليون دينار)، ودعم الوحدات الحكومية بقيمة 20مليون دينار .
حتى نموّ النفقات الجارية من عام لآخر كان واضحا في آخر ميزانية لانه متواضع جدا، فالفرق بين ما قدّر وما تحقق في عام 2021 يكاد لا يتجاوز الـ%3.5، أما ما قدّر للعام الحالي فقد بلغ ما مقداره 9.117مليار دينار، اي بزيادة نسبتها %3.7 عن المعاد تقديره عن العام الماضي.
غالبية مخصصات النفقات الجارية هي بنود ثابتة فعلا، والموازنة مطالبة بتأمين تلك المخصصات بالشكل الطبيعي لنموها، فاستحقاقات الدين أمر لا مفر منه، ومخصص زيادات الرواتب السنويّة للموظفين والمتقاعدين حاجة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، ورصد كافة المخصصات الماليّة لدعم القوات المسلحة والأجهزة الامنية بتاريخهم بالحفاظ على كفاءتها وفاعليتها حاجة قصوى لا يمكن التهاون فيها او النقاش عليها.
حتى يتم تنفيذ كامل مخصصات هذه النفقات الجارية لا بد ان تقوم أجهزة الدولة الماليّة بتحصيل كامل إيراداتها من الضرائب والجمارك والرسوم وغيرها من الرسوم الماليّة التي تتقاضاها سنويّاً، إضافة الى حصول الخزينة على كامل ما صدر في بند المساعدات والمنح الخارجيّة والتي تبلغ قيمتها 848 مليون دينار.
اي تقصير او اخفاق في الوصول الى المخصصات المقدرة في الإيرادات العامة يعني ان البنود السابقة في النفقات الجارية ستواجه معضلة في استكمال كافة التزاماتها، وهو ما سيجعل الدولة تتجه للاقتراض الداخلي والخارجي السريع لتأمين تلك المستحقات المستعجلة التي لا تقبل التأجيل، وهو ما يعني زيادة غير مبرمجة ولا مخطط لها على صعيد الدين العام والعجز الماليّ للخزينة.
هذا هو الوضع الجامد للنفقات الجارية والتي هي بأمس الحاجة لتأمينها، ولا يكون ذلك إلا من خلال زيادة الاعتماد على الذات وتطوير عمليات التحصيلات الماليّة للخزينة بشكل اكثر عدالة، مدفوعا بعمل حكومي بتحفيز الاقتصاد الوطنيّ والوصول الى معدلات نموّ أمنة ومستدامة، لانه لا أمان اقتصادي للخزينة دون تحقيق هذا النموّ الذي سيكون وقتها قادرا على مؤامة متطلبات التنميّة والنفقات الرأسمالية والجارية على حد سواء مع ضمان كامل لسداد كافة الالتزامات الداخليّة والخارجيّة معاً.

التعليقات مغلقة.