صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ويلٌ للمدعومين

من غير الصحيح على الاطلاق القول بأن 93% من المشتركين لن يتأثروا، ذلك لأن فواتير الكهرباء تصدر بناءاً على الاستهلاك الشهري وليس على معدل الاستهلاك الشهري على مدار العام

يبدو أن من وضع الهيكلية المقترحة لتعديل شرائح الكهرباء قد فاته (ناسياً أو متناسياً) الكثير من الحقائق الواقعية والمنطقية. فالتصريحات الرسمية لا تتورع عن القول حرفياً (بأن الشريحة التي تستهلك 600 كيلو واط ساعة (ك و س) أو أقل ونسبتهم 93% من اجمالي المستهلكين لن تتأثر فاتورتهم على الإطلاق. وهذه النسبة محسوبة على أساس مجموع الاستهلاك السنوي للمشترك مقسوماً على اثني عشر شهر، بمعنى أنَّ من مجموع استهلاكهم السنوي هو 7200 (ك و س) فما دون لن يتأثروا بالتعرفة المقترحة. لكن جميع من يستهلكون كمعدل شهري 600 (ك و س) فما دون لهم في الحقيقة نمط استهلاكي متغير خلال أشهر العام وليس نمطاً ثابتاً، ويعتمد هذا النمط على اعتدال الطقس أو برودته أو ارتفاع حرارته. فهم يستهلكون كميات أقل من 600 (ك و س) بالفعل خلال أشهر عديدة، لكن استهلاكهم هذا يرتفع إلى كميات تصل وربما تتجاوز الــ 750 (ك و س) خلال أشهر (7، 8، 11، 12، 1، 2) بسبب البرد و الحر الشديدين.

وعليه، فإنه من غير الصحيح على الاطلاق القول بأن 93% من المشتركين لن يتأثروا، ذلك لأن فواتير الكهرباء تصدر بناءاً على الاستهلاك الشهري وليس على معدل الاستهلاك الشهري على مدار العام.
فمثلاً، من يستهلك 450 (ك و س) شهرياً على مدى 6 اشهر من السنة (وهي الأشهر التي يكون الطقس فيها معتدلاً)، و يستهلك بالمقابل 750 (ك و س) شهرياً خلال الاشهر الأخرى (أي خلال البرد والحر الشديدين) فإن معدل استهلاكه الشهري ما زال 600 (ك و س)، وعليه فإن مجموع فواتير هذا المستهلك السنوية قبل تعديل الشرائح هي 575 دينار وبمعدل 48 دينار شهرياً تقريباً، أما مجموع فواتير المستهلك (المدعوم) بعد تعديل الشرائح ستصبح 630 دينار سنوياً وبمعدل شهري 53 دينار تقريباً، و بزيادة معدلها 5 دنانبر شهرياً. وهذا المثال واقعي جداً وينطبق على معظم الاردنيين الذين يكون معدل استهلاكهم الشهري 600 (ك و س) على مدار العام، بمعنى أن نسبة الزيادة ستبلغ 10% وليس صفر%.

وامعاناً في التوضيح، فإنّ تشغيل مكيف واحد فقط بقدرة طن واحد لمدة 10 ساعات يومياً يستنفذ شهرياً 300 (ك و س). وبالتالي، فإن المشترك الذي يستهلك في الاشهر العادية المعتدلة 450 (ك و س) سيرتفع استهلاكه خلال الاشهر الأخرى إلى 750 (ك و س) عند تشغيله لهذا المكيف اليتيم الصغير. ولعل الحمل الاقصى الذي يسجله النظام الكهربائي في المملكة خير دليل على ذلك، إذ يبلغ هذا الحمل في الأشهر العادية المعتدلة حوالي 2400 ميجا واط تقريباً، ويرتفع هذا الحمل خلال اشهر الشتاء البارد الى ما يزيد عن 3600 ميجا واط.

والمؤسف تماماً أن هذه الهيكلية المقترحة لتعديل شرائح الكهرباء تحذر وتتوعد بالويل والثبور لكل المدعومين الذين تتجاوز كميات استهلاكهم 600 (ك و س) بالقول غير المنطوق “فويل للمدعومين”، ذلك بأنه سيتم محاسبتهم بسعر 20 قرش لكل (ك و س) إن هم سَــوَّلت لهم انفسُهم تجاوز الـ 600 (ك و س)، وفي حين أن كلفة الكيلو واط ساعة هي 100 فلس تقريباً وفق تصريح متلفز لهيئة تنظيم قطاع الطاقة الاسبوع الماضي، فكأنما تطلب هذه الهيكلية المقترحة من المستهلك أن يعيد ضعف قيمة الدعم الذي تلقاه عن الشريحة الأولى (دون 300 كيلو واط ساعة) والتي كان سعر الوحدة فيها 50 فلس. بمعنى ن هذا المستهلك (المدعوم) سيكون قد خسر كامل الدعم الذي تلقاه إذا بلغ استهلاكه الشهري 675 (ك و س).

كان الأَولى والاجدر والأكثر انصافاً وموضوعيةً التعامل مع الذين ربما تســوَّل لهم انفسُهم التجاوز (لا قدَّر الله) بنفس تسعيرة غير المدعوم وبسعر يبلغ 120 فلس لكل (ك و س)، وهذا السيناريو هو الأكثر توازناً في التعاطي مع هذه الحالات، ذلك بافتراض (وبحسن نية) انه ليس مطلوباً من قطاع المستهلكين المنزليين دعم القطاعات الاخرى. كما أن الشفافية تقتضي تصحيح نسبة الـمشتركين الذين لن يتأثروا والمزعوم انها 93%، في حين أُرجح أنها (وبتقديري المتواضع) لن تصل إلى 70%.

التعليقات مغلقة.