صحيفة الكترونية اردنية شاملة

القضية أكبر من تخفيضات الجمارك

قد يكون القرار الجمركي الأخير له أثر نسبي محدود في مواجهة الفشل الإداري الموجه لمكافحة التهرّب الجمركي، خاصة في مجالات المكسرات والقهوة والألبسة

التعبئة الإعلامية لموضوع تخفيضات التعرفة الجمركيّة وتحديدها بأربعة مستويات، باعتبارها ركيزة في الإصلاح الاقتصاديّ مسألة مبالغ فيها من قبل الجهات الرسميّة.
الترويج بأن القرار سيدعم القوة الشرائية للمواطن ويحسّن دخله وقدرته في مواجهة الأسعار هو أيضا مسألة تحتاج لتدقيق قبل الشروع بهذا الحديث الفضفاض البعيد كل البعد عن الواقع الاقتصاديّ وما يحدث في العالم على ضوء تداعيات كورونا، فالاقتصاد العالمي قبل كورونا يختلف جذريا عنه بعد كورونا.
قرار التخفيضات الجمركيّة لن يكون له أثر مباشر على تخفيض أسعار السلع التي يستهلكها المواطن، حتى تلك التي انخفضت جماركها من 30 % إلى 5 %، وهذا ما بدأ بعض التجار بشرحه والحديث عنه في بعض وسائل الإعلام مؤخرا، حتى من تحدث عن التخفيض فإنه أكد بأنه سيكون محدودا للغاية ولن يكون قبل ثلاثة أو أربعة أشهر.
الحديث السابق ليس تقليلاً من القرار الحكومي بقدر ما هو تسليط واقعي على التداعيات التي ستترك آثارا سلبية على تنافسية عدد من القطاعات الصناعيّة المحليّة التي تأثرت بتخفيض الجمارك على السلع المستوردة والتي لها مثيل صناعي محلي.
فارتفاع الأسعار العالمية أكثر من واقع الرسوم الجمركيّة المفروضة على السلع المستوردة، فبعضها ارتفع بأكثر من 120 % والارتفاعات مستمرة، وأسعار الشحن تجاوزت 13 ضعفا للحاوية الواحدة من بعض الدول، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى تراجع مستوى أسعار الشحن أو عودتها إلى سابق عهدها، فالأمور تغيرت جذريا، وجنون الأسعار أصاب كل دول العالم بلا استثناء، ناهيك من أن الكثير من الدول وعلى رأسها الصين على سبيل المثال تنتهج سياسة تخزينيّة كبيرة لعدد هائل من السلع خاصة الرئيسيّة منها.
ولا ننس أصلا أن غالبية السلع الغذائية تحديداً التي تشكّل جزءا كبيرا من سلة الاستهلاك اليومي للأسرة الأردنيّة والتي هي بالأصل معفاة أو مخفضة أساسا ليس فقط من الرسوم الجمركيّة بحكم اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعها الأردن مع العديد من التجمعات الإقليمية والدوليّة ومنها الأميركية والعربية، فهي أيضا معفاة بالكامل تقريبا أو أقل من 4 % من ضريبة المبيعات، وبالتالي فإن المواطن لن يشعر بأي تغيير سعري في قادم الأيام، وكل ما سيشعر به هو أن زيادة الأسعار بدلاً من أن ترتفع على سبيل المثال 50 %، قد تزاد بعد تخفيضات الجمارك وفي حال وجود رقابة صارمة على الأسواق بواقع قد يكون 40 %، أي أقل مما عليه بالأسواق الخارجيّة، فالارتفاع حاصل لا مفر منه.
لكن الحكومة أخطأت إعلاميا بالتركيز في حديث مسؤوليها بأن القرارات ستساهم في تعزيز الأمن المعيشي، وكان الأجدى بها أن تقول بصراحة للرأي العام إن هذا القرار الحكومي هدفه الأول والأخير هو مواجهة عمليات التهرّب الجمركيّ الذي بات يشكّل عقبة كبيرة في تعزيز تنافسية بيئة الأعمال المحليّة.
فالتهريب باتت أبوابه مشرّعة وبتواطؤ واضح من قبل جهات معروفة للجميع، في حين أن الحكومة غير قادرة على ضبطه رغم كل الإجراءات التي قامت بها، فقد باتت هناك عصابات محترفة ومتحالفة مع قوى متنفذة في المجتمع، تمتلك قوة في الضغط المؤسسي على الحكومات لتقليل قدرتها في التصدي لعمليات التهريب التي تجري لصالحهم.
ومع ذلك، فقد يكون القرار الجمركي الأخير له أثر نسبي محدود في مواجهة الفشل الإداري الموجه لمكافحة التهرّب الجمركي، خاصة في مجالات المكسرات والقهوة والألبسة، وأنا أقول هنا إن أثره محدود في مكافحة التهرّب، وذلك لسبب رئيسي أن غالبية السلع المهربة هي تلك السلع التي يفرض عليها ضريبة خاصة عالية مثل السجائر والمشروبات الروحية والعطور على سبيل المثال لا الحصر، وهذه الضريبة لم تنخفض على السلع، بل حافظت الحكومة على مستوياتها العالية.
القضية الاقتصاديّة أكبر بكثير من أن تختزل في قرار جمركي هدفه بالأساس معالجة الضعف الإداري الحكومي في التعامل مع المنافذ الحدودية والمستويات الجمركيّة المختلفة، فالقضية أعمق من ذلك بكثير، والأساس أن يكون الفكر الإصلاحي الحقيقي للحكومة في هذه الآونة هو التركيز على مواجهة البطالة التي تعصف بالمجتمع وتهدد استقراره الاجتماعيّ، فالقرار الجمركي قد يساعد في القريب العاجل على تخفيض أعداد العاملين في بعض القطاعات الصناعيّة التي تأثرت بالتخفيض مثل الأحذية والجلود على سبيل المثال.
كما أن القرار الجمركي أساسا مبرمج لثلاث سنوات وسيتم توحيد الجمارك بعدها لـ 5 %، مما يعني أن العديد من الصناعات بشكل أكيد ستغادر المشهد الاقتصاديّ في البلاد لضعف القدرة التنافسية لديها إذا لم يكن هناك دعم واضح لتقليل كلف الإنتاج عليها، وهنا سيدق جرس الإنذار فهل من مستمع؟

التعليقات مغلقة.