صحيفة الكترونية اردنية شاملة

موسيقى “المهرجانات” في مصر.. ساحة جديدة لـ”الحرب الثقافية”

لا يزال الصراع محتدما بين نقابة الموسيقيين المصريين ومطربو “المهرجانات” الذين يحتضنهم ملايين الشباب في أعقاب إيقاف 19 فنانا شابا على الأقل من الغناء بمصر.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن هذا الصراع ألقى بظلاله على المشهد الثقافي في مصر، حيث أرسل رسالة قوية مفادها أن الفنانين ليسوا أحرارا فيما يقدمونه، ويجب أن يظلوا ملتزمين بالخطوط التقييدية التي وضعتها المؤسسات المدنية والدولة.

وينظر الموسيقيون إلى النقابة على أنها كيان عفا عليه الزمن يتمسّك بشدة برؤية صارمة للثقافة المصرية التي تتصدى لموجة حتمية من التغيير الذي يحركه الشباب.

وقال طارق مرتضى، المتحدث باسم نقابة الموسيقيين وهي منظمة مهنية تصدر تصاريح للفنانين للغناء على خشبة المسرح، “إنهم يخلقون حركة فوضوية في الدولة … نحن نواجه انحدارا وانحرافا”.

ورغم أنها من الناحية الفنية ليست ذراعا للدولة، إلا أن نقابة الموسيقيين المصرية تخضع لقانون الدولة التي تشرف على ميزانيتها.

يقول العديد من المحامين والخبراء إن النقابة ليس لها حق قانوني في حظر الفنانين، ويصرون على أن الدستور المصري يحمي حرية الإبداع بشكل صريح.

لكن هذه الحجج تبدو غير واقعية في مصر، والتي تشهد تضييقا على حرية التعبير، ورقابة على وسائل الإعلام وقوانين للمساعدة في مراقبة وتجريم ما يسمى بالسلوك غير الأخلاقي على الإنترنت.

ومنعت النقابة المغنين الموقوفين من العمل بالنوادي وأداء الحفلات الموسيقية وحفلات الزفاف، فيما استمر البعض في الأداء خارج مصر أو في حفلات خاصة. كما أنهم حرموا من الحصول على الصفقات الإعلانية وفرص الدخل الأخرى.

في 17 نوفمبر الماضي، أصدر نقيب الموسيقيين، هاني شاكر، قرارا بمنع 19 فنانا اشتهروا بأداء الأغاني المعروفة شعبيا باسم “المهرجانات” والتي انتشرت خلال العقد الأخير في مصر كما تقول الصحيفة الأميركية، بمن فيهم حسن شاكوش وحمو بيكا.

“ثغرات عملاقة”
وترى نقابة الموسيقيين المصريين أن إنتاج هذه الأغاني تشجيعا للسلوك المنحط وتشويه صورة مصر وإفساد الذوق العام، على الرغم من أن هذا النوع من الموسيقى يحقق نجاحات مذهلة.

واستشهدت “نيويورك تايمز” بأغنية “بنت الجيران” التي حظيت بأكثر من نصف مليار مشاهدة في يوتيوب فقط، وقادت الفنان حسن شاكوش إلى النجومية التي جعلت منه يقيم حفلات في السعودية وقطر والعراق.

وتقول الصحيفة إن الإشارة إلى المخدرات والمشروبات الكحولية المحظورة ثقافيا في مصر خلال هذه الأغنية التي أنتجت عام 2019، أسهمت في “حرب ثقافية” حول الوجه المقبول للموسيقى الشعبية المصرية.

وتعكس هذه المعركة الصراعات الثقافية في جميع أنحاء المنطقة حيث حاولت الحكومات الاستبدادية في البلدان المحافظة اجتماعيا فرض الرقابة على أي تعبير يتحدى الأعراف التقليدية.

على سبيل المثال، اعتقلت إيران فتيات مراهقات نشرن مقاطع فيديو لأنفسهن يرقصن، وهي جريمة في البلاد الذي يحكمها قانون إسلامي صارم. وفي عام 2020، ألغت جامعة “نورث وسترن” في قطر حفلا لفرقة موسيقى الروك اللبنانية المستقلة التي كان مغنيها الرئيسي مثلي الجنس.

لكن البث عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي أحدثت ثغرات عملاقة في هذا الجهد، مما سمح للفنانين بتجاوز وسائل الإعلام الرسمية، مثل التلفزيون وشركات التسجيل، والوصول إلى جيل جديد من المعجبين المتعطشين لما يرونه محتوى أكثر واقعية وذات صلة.

وقال إسلام رمضان، المنتج المعروف بـ “دي جي ساسو”، “نستخدم الكلمات القريبة من لساننا، دون تجميل وهي تصل إلى الناس”.

وخرجت المهرجانات لأول مرة من أحياء الطبقة العاملة الكثيفة الصاخبة في القاهرة منذ أكثر من عقد من الزمان ولا تزال تُصنع عموما في استوديوهات منزلية منخفضة التقنية، وغالبا ما لا تحتوي على معدات أكثر من ميكروفون رخيص وبرامج مقرصنة.

ويعكس هذا النوع من الموسيقى – مع كلمات حادة عن الحب والجنس والسلطة والفقر – ​​تجربة وثقافة شريحة عريضة من الشباب المحرومين الذين يعيشون في تلك المناطق على إيقاع راقص نابض.

ولكن سرعان ما تحولت أغانيها الجذابة وإيقاعاتها الإلكترونية إلى الاتجاه السائد وأصبح يتردد صداها الآن من قاعات حفلات الزفاف الفخمة للنخبة الناطقة بالفرنسية في مصر إلى النوادي الليلية الحصرية في منتجعات البحر الأبيض المتوسط، بل إنها تجاوزت الحدود ووصلت لدول عربية أخرى.

وقال سيد محمود الكاتب الثقافي إن “المهرجانات هي تمثيل حقيقي لهذه اللحظة، للعولمة وتكنولوجيا المعلومات، ووسائل التواصل الاجتماعي في توجيه أذواقنا”.

وأضاف: “إذا أزلت الإشارة إلى المخدرات والكحول، فهل هذا يعني أنهما غير موجودين؟ تمثل الأغاني الحياة والثقافة الحقيقيتين”.

التعليقات مغلقة.