صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الاستقواء على الشركات

حقوق العمال لا غبار عليها وهي منصوص عليها بالقانون، ومن مصلحة أي رب عمل او إدارة اي شركة ان يكون عمالها وموظفوها في أحسن حال خاصة عندما تكون الشركة في نموّ وازدهار

من المنطق أن يطالب العمال ونقاباتهم بحوافز ومكتسبات في ظل نموّ أرباح الشركات وتطوّر أعمالها وتوسعها، لكن الغريب في المشهد المحليّ ان سياسة الاستقواء دخلت في نطاق العلاقة بين العمال ونقاباتهم مع أصحاب العمل، مدعومة بتراخ رسميّ في التعاطي مع القضايا العماليّة لأسباب أمنية واجتماعيّة بحتة في كثير من جوانبها، حتى في ظل تكبد الشركات الخسائر، فاللغة باتت واحدة ومعروفة للجميع.
من يصدق ان تدخلات النقابات العمالية في شركة مثل مناجم الفوسفات الأردنيّة أدت الى تكلف الشركة لأكثر من 132 مليون دينار كتعويضات نهاية خدمة لموظفين في إحدى مراحل هيكلة الشركة اعتبارا من سنة 2015، والذي كان له الأثر البالغ في تكبيد الشركة خسائر ماليّة في ذلك الوقت، ودخولها نفقا مظلما نتيجة تنامي حركة الاحتجاجات العمالية وتزايد مطالبهم بشكل عجيب، وممكن ان يتجاوز هذا الرقم الـ400 مليون دينار مع مرور السنوات العشرين المقبلة.
والأمر لا يختلف عن باقي شركات التعدين مثل البوتاس والأسمنت الأردنيّة “لافارج” التي عانت من مطالب عمالية غير مسبوقة أدت لتعطيل إنتاج الشركة وتوقفها عن العمل لأشهر، ودخولها في خسائر تجاوزت رأس المال، مما يستوجب تصفيتها حتما وخروجها من السوق.
والأمر مشابه أيضا لشركات الإعلام والصحف الرسميّة، ففي الوقت الذي تراجعت الإيرادات الإعلانية لإحدى الصحف اليوميّة الكبرى اعتبارا من سنة 2012، بدأ حراك العاملين فيها من مختلف الفئات الوظيفية للحصول على الراتب السادس عشر، وقد توقف العمل بالصحفية نتيجة إضرابهم، مما حدا بإدارة الصحيفة الى الموافقة على دفع الراتب الإضافي لهم من خلال قرض بنكي كلفهم بعد ذلك الكثير، وها هم الآن لا يتقاضون رواتبهم الأساسية التي تتأخر من شهر لآخر وباتت لهم مستحقات كبيرة غير مدفوعة.
ولا ننسى شركات الكهرباء وعمال مصانع الالبسة في بعض المراحل، وعدد كبير من الصناعات والمنشآت الاقتصادية التي اكتوت بمطالب وامتيازات وحوافز كانت سببا مباشرا في تحميل الشركات اعباء كبيرة.
هذه السلوكيات العمالية تحتاج إلى اجراء قانوني جريء في مواجهتها والحد منها، وذلك لخطورتها المباشرة على استمرارية الشركات في العمل وتكبيدها خسائر مالية فوق طاقتها.
حقوق العمال لا غبار عليها وهي منصوص عليها بالقانون، ومن مصلحة أي رب عمل او إدارة اي شركة ان يكون عمالها وموظفوها في أحسن حال خاصة عندما تكون الشركة في نموّ وازدهار، فأرباح الشركات تأتي من خلال تضافر كافة العوامل والجهود في الشركات بين الإدارة والعاملين، وهنا يكون الدور النفسي للنقابات وجماعات الضغط العمالية المختلفة في التأكد من ان العاملين في كل قطاع يحصل على حقوقه بالشكل العادل والذي يتناسب مع ما يقوم به من عمل ونشاط مميز له أثر مباشر على الشركة وانتاجيتها وأرباحها.
لكن المؤسف بالمشهد الداخلي ومن خلال المشاهدات التي حدثت في العلاقة بين إدارات الشركات والعمال خاصة في ظل الربيع العربي، حيث باتت مطالب النقابات العمالية لدى الشركات – خاصة التي بها حصص استثمارية اجنبية عالية- شكل من الاستقواء في مطالب غير منطقية أبداً، كالاستمرار في الدعوات للحصول على امتيازات إضافية في الرواتب والعلاوات والتأمينات الإضافية الجديدة عالية الكلف.
حتى في ظل تحقيق الشركات لخسائر جسيمة وتراجع قدرتها حتى في توفير مخصصات لتأمين التزاماتها التشغيليّة مثل الرواتب فإن خطاب بعض النقابات العمالية كان مخالفا للمنطق، وفيه من الاستقواء الذي وصل لنوع من الابتزاز الواضح والمكشوف.
المطلوب تطبيق دولة القانون فعلا لا قولا، وتعديلات جذرية تنهي حالة التروية القانونية في قانون العمل الذي يهادن العمال لدرجة الخضوع في بعض الحالات، وتنظيم الاتفاقيات العمالية مع الشركات وجعلها لفترات زمنية طويلة تعطي الاستقرار في العمل والتخطيط للشركات بدل مما هو عليه الآن كل عام او عامين تأتي نقابات لتعدل مطالبها في الشركات على ضوء النتائج الماليّة، مع منح حقوق إعادة الهيكلة للعمالة في حال تحقيق الشركات لخسائر جسيمة، مع حق انهاء الامتيازات الإضافية مثل الرواتب الإضافية التي فعلا باتت ثقلا على الشركات في حالة الخسائر.

التعليقات مغلقة.