وعلى وجه التحديد، يبدو أن مجموعة من الإنزيمات المعروفة باسم إنزيمات ten-11 translocation (TET) مهمة لمنع الحمض النووي من تكوين هذه العقد المزعجة، وفقا للدراسة التي نُشرت في 22 ديسمبر في مجلة Nature Immunology.

وتعمل إنزيمات TET على بدء عملية إزالة مجموعات الميثيل – “أغطية كيميائية” تتكون من ثلاث ذرات هيدروجين وذرة كربون واحدة – من سطح جزيئات الحمض النووي. وتمنع مجموعات الميثيل جينات معينة داخل الحمض النووي من أن يتم تشغيلها، لذلك من خلال المساعدة في إزالة مجموعات الميثيل هذه، تلعب إنزيمات TET أدوارا رئيسية في تنظيم نشاط الجين وتطوره.

ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أنه عندما لا تحمل الخلايا ما يكفي من إنزيمات TET، فإن هذا النقص قد يساهم في تطور السرطان. وفي خلايا الدم البيضاء، على وجه الخصوص، كشفت الأبحاث عن وجود علاقة قوية بين نقص إنزيمات TET وظهور السرطان. وللكشف عن سبب هذا الارتباط، أجرى العلماء دراسة حذفوا فيها اثنين من ثلاثة إنزيمات TET للثدييات – TET2 وTET3 – من خلايا الدم البيضاء للفئران.

واستخدموا التعديل الجيني لحذف جينات TET2 وTET3 من الخلايا البائية الناضجة للقوارض، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء. وفي غضون أسابيع قليلة، طورت الفئران سرطان الغدد الليمفاوية للخلايا البائية، وهو سرطان الخلايا البائية

وقالت أنجانا راو، كبيرة معدي الدراسة وعالمة الأحياء الخلوية والجزيئية في معهد La Jolla لعلم المناعة في كاليفورنيا، لـScientist: “اتضح أنه يشبه هذا المرض البشري المسمى DLBCL”، والذي يرمز إلى ورم الغدد الليمفاوية للخلايا B الكبيرة المنتشرة. وأوضحت راو أن سرطان الغدد الليمفاوية عند البشر ينشأ فيما يسمى بالمراكز الجرثومية، حيث تلتقي الخلايا التائية، وهي نوع آخر من خلايا الدم البيضاء، مع الخلايا البائية لصنع الأجسام المضادة.

وقام الفريق بعد ذلك بتكبير الحمض النووي لهذه الفئران، ووجدوا أن الجزيئات الجينية انحرفت إلى أشكال غير عادية.

وفي بعض الأماكن، انثنى الحمض النووي في G-quadruplexes، والتي تتشكل إما عندما ينثني جزيء DNA مزدوج الشريطة على نفسه أو عندما ترتبط خيوط DNA متعددة في جوانين (guanine) واحد، أحد الأحرف الأربعة في الشيفرة الجينية للحمض النووي.

وعندما يحدث هذا، يأخذ الحمض النووي شكل اللولب الرباعي، بدلا من الحلزون المزدوج، هيكل السلم الملتوي الكلاسيكي. وتظهر هذه العقد الغريبة ذات الأربع سلاسل في الخلايا السرطانية بمعدلات أعلى بكثير من الخلايا السليمة، وقد ربطت بقدرة الخلايا السرطانية على الانقسام السريع، وفقا لـ “لايف ساينس”.

وأفاد الباحثون أنه في أماكن أخرى من الحمض النووي للفئران، انزلق جزيء جيني آخر يسمى RNA بين جانبي الحلزون المزدوج للحمض النووي. وتتداخل هذه الهياكل المتشابكة، المعروفة باسم حلقات R، مع تكرار الحمض النووي، وبالتالي يمكن أن تسبب عدم الاستقرار الجيني المرتبط بالسرطان.

ووجد الفريق أن الحمض النووي للفئران المعدلة وراثيا يحمل عددا أكبر بكثير من الحلقات الرباعية والحلقات R مقارنة بالحمض النووي للفئران غير المعدلة وراثيا. وبالإضافة إلى ذلك، مقارنة بالفئران غير المعدلة وراثيا، أظهرت الفئران المعدلة وراثيا نشاطا متضخما في إنزيم يسمى DNMT1، والذي يلصق مجموعات الميثيل بالحمض النووي. وعادة، يوازن إنزيمات TET وDNMT1 بعضهما البعض، حيث تزيل واحدة مجموعات الميثيل وتضيفها الأخرى. لكن في الفئران المعدلة وراثيا، انقطع هذا التوازن، وأصبح حمضها النووي متشابكا وسرعان ما تحولت خلاياها البائية إلى خلايا سرطانية.

وتعد الدراسة الجديدة “واحدة من الأوراق الأولى التي تُظهر بالتأكيد كيف يمكن أن يتسبب نقص TET في عدم الاستقرار الجيني. وستؤدي حلقات G-quadruplex وR هذه إلى عدم استقرار الجينوم”، كما قالت لويزا سيمينو، عالمة الكيمياء الحيوية بجامعة ميامي والتي لم تشارك في الدراسة، حيث أوضحت: “هذا من أول الأدلة التي تظهر ذلك في نموذج السرطان”.

وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لمعرفة ما إذا كان نموذج الفئران يُترجم إلى البشر، ولكن إذا حدث ذلك، فقد يشير إلى استراتيجيات جديدة لعلاج السرطانات المرتبطة بنقص TET.

المصدر: لايف ساينس