صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مسؤولون يخافون من اتخاذ القرار

محاربة السلوكات الإدارية السابقة لا تتم إلا من خلال تعزيز الرقابة على المسؤول والشفافية في العمل العام، المعتمد أساسا على مبدأ الثواب والعقاب

لا ينقص أي مسؤول الفهم الكامل والحقيقي لطبيعة المشاكل والتحديات التي يعاني منها القطاع الخاص والتي تحد من نموّ الاقتصاد وتسهل بيئة الأعمال المحليّة أمام مجتمع رجال الأعمال، فهناك فهم لكافة الأمور ولكن يكمن التحدي في اتخاذ خطوات الحل السليم والسريع والجريء.
هنا تكمن المشكلة الرئيسة في اتخاذ القرارات من المسؤولين الذين وصفهم الملك في رسالته الأخيرة بأنهم يختبئون ويتحصنون وراء البيروقراطية السلبية التي تعيق التقدم والسير في الإنجاز، خوفا من تحمّل المسؤولية وتداعياتها.
الخوف لا يطال فقط البيروقراطية الرسميّة بما تحمله من نصوص قانونية وتعليمات وأنظمة صارمة للعمل، بل يتخطاه أيضا لاتخاذ أي قرار مهم إذا كان على طاولة صفحات السوشيال ميديا ومتداولا من قبل النشطاء بشكل عشوائي، هنا يكون المشهد أكثر ألما، لأن المسؤول حينها يكون أسيرا لوسائل التواصل الاجتماعيّ والإشاعات.
المسؤول في الحكومة مهما اختلف مستواه الإداري بأمس الحاجة اليوم إلى حمايته من أشكال مختلفة من المساءلة التي لا تكون إلا في نهاية المطاف.
بمعنى ان المسؤول بحاجة إلى من يأخذ بيده نحو السلوك القويم والإجراء الصحيح قبل وقوعه لا بعده.
هنا يكمن دور الأجهزة الرقابية المختلفة التي عادة ما تكون بياناتها وخطاباتها الإعلامية محل تداول “جنوني” عبر كل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والاقل ان تكون العملية الرقابية على الاداء الرسميّ ووقائي بالأساس.
من غير المبرر ان تخرج علينا تقارير المؤسسات الرقابية لتكشف عيوب الإدارة العامة وأخطاءها المختلفة وهي بإمكانها ان تضبط العملية الإدارية وتدلها على الطريق والنهج الصحيح في بداياته، فكل مؤسسة ووزارة رسميّة لها مندوب في تلك المؤسسات.
للأسف هذا المشهد أدى إلى تجميد سلوك المسؤول في الإقدام على اتخاذ اي خطوات أمامية على صعيد العمل والابتكار، فهو أسير المساءلة التي عادة ما تجره إلى خندق الفساد الشكلي، الذي حينها سيكون أمام وسائل الإعلام المختلفة مادة خصبة للحديث فيها حتى ولو كان باب اغتيال الشخصية، فالأساس ان تتم حماية المسؤول من هذا الشكل الرقابي باتباع الأسلوب الوقائي في الرقابة.
الشكل الآخر من المسؤول المرتجف في اتخاذ القرار هو ذلك الشخص غير الكفء في موقعه الرسميّ، فهذا أقرب للجاهل من المسؤول الخائف، لأنه بالأساس بعيد كل البعد عن معايير الحرفية ولا يعي بعمليات المحاسبة والتقييم، لأنه هو شخصيا سقط بـ”البراشوت” على القطاع العام، ومرجعيته ليست مرجعية الدولة ذاتها في التعيين، وهو يشعر بأنه فوق الجميع لا بل فوق القانون، ويتمتع بحصانة وفرتها له الأنظمة والقوانين المعمول بها في الدولة تجاه الموظف العام، وهذا معطل كبير لأي عملية إنجاز حتى الاعتيادية، وبالتالي لا احد يتوسم فيه خيرا.
محاربة السلوكات الإدارية السابقة لا تتم إلا من خلال تعزيز الرقابة على المسؤول والشفافية في العمل العام، المعتمد أساسا على مبدأ الثواب والعقاب، مصحوبا بعناية تطوير شاملة للأجهزة الرقابية في الدولة لتصبح أجهزة وقاية وتحوط في الرقابة العامة، وأجهزة بترشيد الإدارة وتصويب عملية صنع القرار، حينها سيتحرر المسؤول من الخوف الذي بداخله في اتخاذ القرار، وستمضي عملية الإصلاح الإداري قدما للأمام بكل ثبات ومصداقية.

التعليقات مغلقة.