صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأسعار مرة أخرى

أفضل السيناريوهات الصعبة هو المبلغ المالي المقطوع لمرة واحدة لتغطية كلف الزيادات في الأسعار، وهو الخيار الوحيد المتوفر للحكومة.

يحاول البعض تصوير مشهد الأسواق المحليّة وما يحدث من ارتفاعات بأنها حالة أردنية خاصة، ولا يوجد لها شبيه في المنطقة، وأن ارتفاع الأسعار سببه الحكومة.
للأسف، حوار الطرشان ما نشاهده على وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعيّ حول قضية ارتفاع الأسعار وتبادل الاتهامات وتحميل المسؤولية لجهات غير حقيقية، في محاولة للضغط على الحكومة للتدخل بالأسعار عن طريق دعم السلع بشكل مباشر لإحداث انحراف حقيقي في حركة الأسواق مما قد يتسبب في انحرافات في المشهد يؤثر سلبا ليس فقط على الخزينة وإنما أيضا على المستهلك.
قضية ارتفاع الأسعار ليست وليدة الحرب الروسية الأوكرانية، فجميع السلع بدأت تشهد زيادات كبيرة في أسعارها منذ أكثر من عامين، مصاحبة ارتفاعات جنونية في أسعار الشحن التي تضاعفت أجورها لبعض الخطوط 13 ضعفا.
النقطة الأخرى التي تحتاج إلى توضيح أن أسعار بعض منتجات الخضار والفواكه التي ارتفعت كثيرا خلال الأيام الماضية سببه الرئيسي تراجع المحصول المحلي بسبب موجات الصقيع الأخيرة، وهذا أمر طبيعي جدا والارتفاع طبيعي جدا في الأسعار، وهي حالة وقتية مرتبطة بتحسن الظروف الجوية.
الأمر الآخر يتعلق بتوقعات الأسعار عالميا والتي تشير جميع التحليلات الى أنها سوف تستمر بالارتفاع وأن معدلات التضخم ستواصل ارتفاعها طيلة الأشهر المقبلة، وبالتالي فان أسعار السلع والشحن والطاقة ستزداد عما هي عليه، فهل سيستمر النقاش
البيزنطي حول الأسعار بهذا الشكل المهين والذي صور الأردن وكأنه يعيش في مجاعة مع كل أسف.
كل الأسعار في العالم ارتفعت، وقد نكون في الأردن الأقل ارتفاعا مقارنة عما عليه في الجوار، وأنا لا أبالغ في هذا الوصف بعد ما اطلعنا على معدلات التضخم في دول الجوار بلا استثناء.
الحكومة ليست وظيفتها تحديد الأسعار إلا في حالات استثنائية محددة وفي بعض السلع الإستراتيجية فقط مثل القمح على سبيل المثال لا الحصر، والذي نجحت نجاحا باهرا في تأمين أعلى مخزون في المنطقة يغطي احتياجاتها لأكثر من 17 شهرا.
الحكومة مطالبة فقط بتأمين كافة الخدمات والإمكانيات التي تسمح للمستوردين باستيراد السلع دون عقبات، وتقدم أيضا الحوافز في حالات معينة، لا سيما ما قامت به من الإجراءات الأخيرة المتعلقة في تسريع إجراءات المناولة في الميناء.
لكن القرار الأهم والذي يعتبر خطوة ذكية وإستراتيجية هو ما قام به البنك المركزي من توسيع التمويل الممنوح لتجار الجملة المستوردين للسلع الأساسية ضمن نافذة تمويلية مدعومة بالفائدة المخفضة عليهم، بما يسهل ويدعم استمرارية تدفق السلع في الأسواق وتخفيف الأعباء الماليّة على المستورد والمستهلك معا.
كما قلنا سابقا مسألة ارتفاع الأسعار خارجية بحتة، وأي تصرف داخلي من بعض التجار هو تصرف غير مسؤول وفردي لا يشكل أي حالة عامة للمشهد، والرقابة على الأسواق فاعلة للغاية، والسلع متوفرة بأسعار متباينة من مكان لآخر، والتسعير لبعض المنتجات ضروري لاستدامة الاستقرار في الأسواق، خاصة خلال الشهر الفضيل.
أما مواجهة ضغوطات الارتفاعات السعرية كما قلنا سابقا فإن، كل السيناريوهات أمام الحكومة صعبة للغاية من حيث كلفها المادية على الخزينة والاقتصاد، سواء بالعودة للدعم أو من خلال زيادة الرواتب، فكلها ضغوطات كبيرة لها تداعيات على الاقتصاد الذي يعاني أصلا من عجز مالي مزمن.
أفضل السيناريوهات الصعبة هو المبلغ المالي المقطوع لمرة واحدة لتغطية كلف الزيادات في الأسعار، وهو الخيار الوحيد المتوفر للحكومة.

التعليقات مغلقة.