صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ما بعد الحرب في أوكرانيا

فشلت روسيا في صنع حسم عسكري سريع وقد تكون الأسباب أكثر تعقيدا مما تقدمه الدعاية الغربية الفجّة عن أداء القوات الروسية وبطولة القوات الأوكرانية. النتيجة أن روسيا غيرت خططها وتخلت عن حصار كييف والتوغل على خطوط انتشار عميقة، وستكتفي كما يبدو باحتلال ماريوبول واستكمال السيطرة على الشريط الحدودي الموصل الى شبه جزيرة القرم وتثبيت وجودها في المناطق التي احتلتها.

من المرجح ضمن خطّة أكثر تواضعا ان توافق روسيا على وقف اطلاق النار ومتابعة المفاوضات حول مطالبها المعروفة، هذا اذا لم تعد القيادة الأوكرانية للطمع بأهداف أكثر طموحا، كأن ترفض وقف النار اطلاق قبل اخراج آخر جندي روسي من أراضيها وهي التي كانت تنشد مجرد وقف القتال دون مطالب او شروط.

المشكلة أن القرار بوقف اطلاق النار ناهيك عن التوجه بروح إيجابية لمفاوضات مثمرة ليس مرهونا بإرادة القيادة الأوكرانية بل بنوايا حلف الناتو والولايات المتحدة. وهذه النوايا هي التي تثير القلق، ونشير الى تصريح وزير الخارجية التركي داوود أوغلو الذي نقل انطباعه من داخل لقاء الناتو أنه «تشكلت لديه قناعة بعد اجتماع وزراء خارجية الحلف، بأن هناك بعض الأعضاء الذين يرغبون باستمرار هذه الحرب، بهدف إنهاك روسيا».

هذا هو المحذور الحقيقي اليوم والذي قد يمنع انهاء الحرب. تريد الولايات المتحدة ان تستمتع برؤية روسيا تغرق في اتون استنزاف عسكري وسياسي مديد على غرار ما حصل للاتحاد السوفييتي في أفغانستان تحت الشعار النبيل والمتباهي بدعم حرية الشعب الأوكراني ومقاومة الاحتلال. الولايات المتحدة لا يرمش لها جفن إزاء جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتكررة بينما تحرك اليوم حربا اقتصادية عالمية شرسة ضد روسيا تريد ان ينضبط الجميع ورائها ولو كان على حساب مصالحهم الحيوية والقومية المباشرة، وأبرز مثال هو فرض تخلي أوروبا عن امدادات الغاز الروسي.

قد ينشأ موقف يفرض القبول بوقف اطلاق النار. لكن التعنت الأمريكي قد يطيل النزاع ويحجر على الحل لتبرير استمرار الحرب الاقتصادية والسياسية. وطبعا روسيا لن تركع مهما كان الثمن وسوف تتضرر كثيرا ومعها أوروبا وكل الاقتصاد العالمي. لكن هذا ليس مهما ما دام الهدف هو وقف التحول الجاري في العالم والسائر حتما لأنهاء أحادية القطبية وتفرد الولايات المتحدة بالهيمنة المطلقة على العالم. ولا سبيل لوقف هذا التحول الا بالعودة لحرب باردة جديدة تفرض مجددا على كل الغرب ونصف الشرق والجنوب زعامة الولايات المتحدة.

وسوف يكون مطروحا على الطاولة بعد قليل شرعية الإجراءات التي تستخدم الاقتصاد والتجارة الدولية والشركات وأنظمة الدفع البنكي وقطاع الاتصالات كأنها دوائر تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية. وسيكون واضحا أمام الرأي العام الأوروبي والدولي أن الأوليغارشية الأمريكية وليس الروسية هي التي تضحي بالسلم والتعاون وتركل نفس المبادئ التي سبق وفرضتها على العالم في ظلّ العولمة وسياساتها مثل إزالة الحواجز والقيود و انسياب السلع والخدمات وحيادية القوانين والأدوات الاقتصادية فوق القرارات الوطنية.

العالم بعد هذه الأزمة لن يقبل العودة الى ما قبلها، لن ينضبط للعقوبات الأمريكية. وبعد قليل لن يقبل بقاء كل أدوات الاقتصاد المعاصر ومفاتيح حركة المال والأعمال بيد الولايات المتحدة، لا النقد ولا البنوك ولا قنوات وأدوات العمل ولا أنظمة الاتصال والانترنت.الدستور

التعليقات مغلقة.