صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مقارنة استثمارية خاطئة

من أراد ان يقارن الأردن استثماريا مع دول الجوار فليقارن ما نحتاجه فعليا لتعزيز بيئة الاستثمار، نحتاج مقارنة نستفيد منها بالخبرات والكفاءات الادارية وتبسيط الاجراءات وتوحيد العملية الاستثمارية والقانونية في مكان واحد، والأتمتة الالكترونية في التعاملات كما هو الحال لدى الجوار والتي فعلا نحتاج للاستفادة من تجاربهم الناجحة في ذلك.

حديث رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في مجلس النواب عن البيئة الاستثمارية في الأردن يخالف انطباعات الكثير، لكنه في الواقع كلام سليم ودقيق خاصة في المقارنة.
دائما ما يكون الحديث عن الاستثمار بالمملكة بمقارنته مع بعض دول الجوار وتحديدا تركيا ومصر اللتين استطاعتا خلال فترة وجيزة استقطاب رؤوس أموال أردنية اليهما في قطاعات اقتصادية مختلفة وتحديدا في القطاعين العقاري والصناعي.
هذه المقارنة كانت تستحوذ جزءا اساسيا من حديث السادة النواب في معرض كلماتهم الموجزة عن مشروع قانون تنظيم بيئة الاستثمار الذي احاله المجلس للجنته الاقتصادية.
مشاكل المملكة الاستثمارية معروفة ولا تحتاج الى ذلك الاجتهاد، فهي محصورة بتعدد المرجعيات وتشابك الانظمة وتجاوزات رسمية في منح الحوافز والاعفاءات، وتعقيدات بيروقراطية في الجهاز الاداري المعني بالعملية الاستثمارية.
ما تحدث به النواب في كلماتهم حول مشروع القانون كان في غالبيته مبني على انطباعات عامة متراكمة لديهم بسبب الصورة النمطية التقليدية لواقع الاستثمار في المملكة على مدى السنوات القليلة الماضية بالتحديد، ولا يؤشر حديثهم على قراءتهم لبنود مسودة القانون، فحديثهم تشتت ما بين مهاجم للحكومة وناقد لها لأسباب مختلفة بعضها شخصي بحت كما هو الحال في حديث البعض عن وزير المالية تحديدا، وآخرون كانوا اقرب للغوغائية من النقاش المرتكز على فهم نسبي لبنود مسود القانون والتعديلات التي ألحقت به، وقلة قليلة من النواب تلمس بعمق أهمية القانون وضرورة تطويره بالشكل الذي يخدم الاقتصاد الوطني.
مقارنة الاستثمار في الأردن بالجوار مسألة فيها غبن بحق الأردن، فغالبية الدول التي يجري الحديث باستمرار عنها باعتبارها قصص نجاح دون الحديث عن ان تلك الدول ذاتها تعاني من ازمات اقتصادية حقيقية، وتحديات كبيرة تعصف بامنهم واستقرارهم الاقتصادي، فهم يعيشون في ظل سياسات نقدية مزعزعة وتقلبات سعر صرف متدهورة يوما بعد يوم، وهناك صعوبات كبيرة لدى المستثمرين في هذه الدول في فتح اعتمادات مصرفية لبضائع ومشاكل كبرى في تحويلات الاموال لديهم للخارج التي تم وضع ضوابط ومحددات عليها بشكل كبير بسبب نقص السيولة من العملات الاجنبية.
هذه القضايا والتحديات ليست موجودة في الأردن ابدا، فهناك استقرار اقتصادي واستقرار نقدي كبير بإشادة من المانحين والمؤسسات الدولية، وثبات في سعر صرف الدينار، ولا توجد اي قيود على التحويلات المصرفية في ظل احتياطيات آمنة للغاية من العملات الصعبة (17مليار دولار)، مدعومة برقابة حصيفة ورشيدة من البنك المركزي على الاداء النقدي، اضافة لوجود جهاز مصرفي متقدم في خدماته ومتطور في أدائه.
الكل يذكر جيدا انه في ذروة ازمة كورونا وحالات الاغلاق الكلي والجزئي للاقتصاد كانت عمليات التحويل المالي من والى الأردن تتم بسلاسة ومرونة عالية وكانت طبيعية جدا في حين ان دولا نفطية وغنية في المنطقة وضعت سقوفا مالية على السحوبات والتحويلات.
من أراد ان يقارن الأردن استثماريا مع دول الجوار فليقارن ما نحتاجه فعليا لتعزيز بيئة الاستثمار، نحتاج مقارنة نستفيد منها بالخبرات والكفاءات الادارية وتبسيط الاجراءات وتوحيد العملية الاستثمارية والقانونية في مكان واحد، والأتمتة الالكترونية في التعاملات كما هو الحال لدى الجوار والتي فعلا نحتاج للاستفادة من تجاربهم الناجحة في ذلك.
مشروع قانون تنظيم بيئة الاعمال في نسخته الاخيرة التي قدمت للسادة النواب فيه نقاط مهمة يبنى عليها، فالحكومة أخذت بالعديد من ملاحظات ومطالبات القطاع الخاص خلال مناقشتها للقانون معهم، والأمر يحتاج الى معالجات بجودة عالية من النواب، والامر اليوم في ملعب لجنة الاقتصاد والاستثمار التي تمتلك رؤية واضحة في احتياجات المشهد الاستثماري وتطويره، واعادة تبويب الحوار والنقاش نحو اهداف نوعية بدلا من الحديث الانطباعي العائم.

التعليقات مغلقة.