صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هل هناك دولة تحملت ما تحمله الأردن … لا أعتقد

الأردن اليوم يستحق منا أن يكون خطابنا إيجابيا، ننشر التفاؤل ولدينا مقومات كافية لذلك، بوصلتنا المنعة لوطننا

تتسابق الأقلام والابواق عند قيام المالية بالإعلان عن نسبة اجمالي الدين الى الناتج المحلي الإجمالي، ولم أجد بها من ينصف الأردن الا من رحم ربي، فالخطاب السلبي سيد الموقف، وكأنه لدينا عصاة سحرية! ومن يمتلكها فليقدمها لعلها ترضي هذه السلبية.
تم الإعلان مؤخرا أن إجمالي رصيد الدين العام في المملكة خلال الثلث الأول من العام الحالي ارتفع بقيمة 420 مليون دينار ليصل إلى 36 مليار دينار (51 مليار دولار) مقارنة مع 35.7 مليارا نهاية العام 2021، وبذلك أصبح إجمالي الدين العام يشكل ما نسبته 111 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبعد استثناء ما يحمله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي بلغ رصيد الدين الحكومي حتى نهاية شهر نيسان2022 ما قيمته 29 مليار دينار أو ما نسبته 88 % من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لشهر نيسان من العام 2022 مقابل 28.7 مليار دينار في نهاية العام 2021 أو ما نسبته 89.5 % من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2021 شامل مديونية كل من شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه التي تبلغ 7.4 مليار دينار. أي بلغ دين صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي في نهاية نيسان 7 مليار دينار. ويتوزع الدين العام بين ديون خارجية وداخلية ، رصيد الدين الخارجي بلغ 15.6 مليار دينار، وبلغ الدين الداخلي 20 مليار دينار تقريبا. فماذا بعد؟
دعونا نعود للتاريخ قليلا وبالتحديد عام 1987 أي قبل أزمة الدينار كما سميت، فقد كان الدين نسبة للناتج المحلي الاجمالي 82% وقفز في عام 1988 ليصل الى 198% وبقي يرتفع الى 223% عام 1990. بذلك الوقت كنا لا نملك أدوات كثيرة ولكن كنا الأردن. وبدأ ينخفض الدين خلال رحلة 20 عاما ليصل في عام 2010 الى 67% نسبة الى الناتج المحلي، وبعدها بدأ الدين بالصعود ليصل الى ما وصل اليه اليوم بنسبة 111% من الناتج المحلي الإجمالي، وسأترك للمحليين المختصين فقط أن يعودوا بهذا التاريخ ويبحثوا ولينصفوا الأردن أولا في بحثهم وكيف وصلنا الى أن تكون العمالة في القطاع العام أي القطاع الخدمي تقارب 50% من القوى العاملة المنظمة، الم نكن جزءا من ذلك؟ ولكن ماذا تخلل هذه الرحلة من محطات؟
في اللحظة التي بدأ الأردن اقتصاديا يتنفس الصعداء جاءت حرب الخليج وكان قبلها بقليل أزمة الدينار وتبعهما الازمة المالية العالمية وانقطاع الغاز المصري والربيع العربي وتخللها أزمة اللاجئين، وبعدها جائحة كورونا وأزمة سلاسل الامداد والان الحرب الجائرة والاهم التزامنا تجاه قضيتنا الأولى التي هي همنا وأولوياتنا. ورغم كل ما مررنا ونمر به الأردن بقي حاضر وصامد بقيادته وشعبه ويتقدم بحزم. اليوم لدينا أدوات ولم تكن في السابق، لدينا احتياطيات نقدية كافية وهذه لم نجدها في سابق عهد، مخزوننا من الامن الغذائي تجاوز حدود العالم، نشهد نموا مشرقا، قطاعات تصعد بثبات، أسواق تخترق بمنتجاتنا وأكثر من ذلك بكثير. فالأردن دائما ثابت.
وحتى نعرف ماذا يحدث اليوم في العالم، لقد وصلت ديون العالم نسبة الى ناتجها المحلي الإجمالي ما نسبته 348% أي أكثر من ثلاث أضعاف ناتجها، منها 92% على الحكومات والباقي على الشركات والافراد. اجمالي الدين الحكومي في الاقتصادات النامية وصل 50% والاقتصادات الناشئة 66% أما الاقتصادات المتقدمة فقد وصل الى قرابة 120% من الناتج المحلي الإجمالي. وهناك اقتصادات عالمية كبرى تجاوزت ديونها الحد المعقول حسب طريقة تفكير البعض، وفي المقابل نسمع أن هذه الدول حتى ولو تجاوزت الحدود المقبولة فإن لديها اقتصاد ويقفون هنا ولا يكملوا بأن هذه الدول عليها أيضا أعباء بحكم الكثير من العوامل، فمنها حجم السكان وعوامل التغير المناخي وطبيعة تركيبة اقتصادها وغير ذلك الكثير من العوامل. في كبريات الدول مثلا يعتبر مؤشر الاستهلاك هو المحرك الأساسي لاقتصادها ممثلاً حوالي ثلثي الإنتاج المحلي الإجمالي لها، وفي دول أخرى هناك عوامل مختلطة معقدة في تركيبة اقتصادها ولذلك نرى تذبذبا بقدرة الكثير من دول العالم على احتواء التضخم الحاصل لديها اليوم وشبح الركود الذي يهددها.
نعود قليلا للتصريحات الكثيرة بالدين الداخلي والدين الخارجي على الأردن ، وأن الدين الداخلي يزاحم القطاع الخاص في سهولة الحصول على التمويل وأن ديون صندوق استثمار أموال الضمان للمالية تعاظمت، وهنا سأترك هذا الامر للنقاش في مناسبات أخرى ، ولكن ما يجب الإشارة له بأن السيولة متاحة للقطاع الخاص ولا يوجد مزاحمة ، كما أن الدين الداخلي في محطاته المختلفة يمنح الدولة نفسها استقلالية دون التأثر بتيارات الدين الخارجي وتوابعه ، ولكن نحن جزء من منظومة عالمية ونتحرك باتجاهات مختلفة مرتبطة بالفرصة والميزة والكلفة وأيضا الاتفاقيات الدولية المتعاقد عليها وضوابطها.
الأردن اليوم يستحق منا أن يكون خطابنا إيجابيا، ننشر التفاؤل ولدينا مقومات كافية لذلك، بوصلتنا المنعة لوطننا. لدينا تحديات كثيرة وهناك إخفاقات لا أحد بنكرها، قوى شد عكسي من هنا وهناك. لكن لدينا مخزون كبير من الشباب الفتي الواعد وهناك دول تتمنى أن يكون لديها نصف هذا المخزون، نسبة الاناث المثقفات تفوق نسبها معظم دول العالم وهذا يطمئننا على مستقبل الأجيال القادمة. ثالوث الإصلاح يحوم في فضاء الأردن لنكون أقويات ونحن في رحلة المئوية الثانية. فلنتوقف عن جلد الذات ولنتعاون ونتحاور ولا نتعاند، ليكن خطابنا شعاره الامل ولننشر الروح الإيجابية لتكون مسارا لمستقبل أجيالنا فهم يستحقون منا أن ننير طريقهم لا أن نحيطهم بالضبابية. ومن لديه هذه العصاة السحرية فليأتي بها وبغير ذلك لا داعي للتهويل وليشتبك إيجابيا مع ثالوث الإصلاح ليقدم ما يستطيع … إن استطاع. فالعبرة بالأفعال والقياس بالإنجاز

التعليقات مغلقة.