صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الرؤوس الكبيرة أولا

كنا نعنقد سابقا، أن المخدرات تتوفر للأغنياء فقط، لكن الحاصل أن المخدرات موجودة في كل المناطق الفقيرة، وبأسعار منخفضة جدا، وحين يجتمع الفقر مع الإدمان، تأتي الجريمة نتيجة طبيعية لهذه الثنائية التي تهدد سلامة أي بلد، وأي مجتمع، في هذا العصر بالذات.

مذهلة هذه المعلومات التي يتم الاعلان عنها بخصوص المخدرات في الاردن، إذ منذ اسابيع وجهاز الامن العام يعلن عن عمليات تؤدي الى إلقاء القبض على موزعين ومهربين، إضافة الى اكتشاف كميات مخزنة من كل انواع المخدرات، في مناطق الاردن، بما يثير التساؤلات حقا حول هذا الملف.
هذا يعني ان البلد كان مخزنا كبيرا للمخدرات، والا كيف تطورت هذه الشبكات وكبرت طوال هذه السنين، وتم ادخال او تصنيع كل هذه الكميات من المخدرات، التي يتم الاعلان عنها هذه الايام.
يثبت الواقع اننا امام كارثة تنخر الاردن، وان جزءا من هذه الكميات قد يجد طريقه الى دول عربية مجاورة للاردن، خصوصا، ان الاردن يجاور سورية، بما تعنيه من فوضى تؤدي الى صناعة المخدرات وتهريبها اساسا من لبنان، او من سورية ذاتها، وصولا الى الاردن ودول الجزيرة العربية.
الحملة الامنية التي يتم شنها حاليا يجب ان تستمر، وتتواصل حتى النهاية، خصوصا، ان الذين يتم إلقاء القبض عليهم، لديهم معلومات عن غيرهم، ستؤدي الى الايقاع بهم، كما ان هذه الحملة يجب ان تراعي استعداد تجار المخدرات امام خسائرهم المالية التي تقدر بالملايين، اللجوء الى خيارات بديلة، مثل بدء تصنيع المخدرات في مواقع سرية في الاردن، او حتى اللجوء الى العنف والانتقام، كما هي افعال العصابات الاجرامية المنظمة، في دول عديدة في هذا العالم.
لقد قيل مرارا إن إطلاق النار على المهربين القادمين عبر الحدود لاخافتهم، او اصابتهم، امر غير كاف، إذ إن إلقاء القبض عليهم احياء سيؤدي الى كشف اسماء مرتبطة بهم في الاردن، وهذا يعني ان استئصال الاطراف الشريكة المحلية التي تنتظر المخدرات، امر مهم جدا، خصوصا، في كل المناطق الحدودية، والمناطق القريبة منها، حيث قد يكون بعضها موقعا لتخزين المخدرات لفترات معينة، يتم بعدها اخراجها وتوزيعها، او اعادة تصديرها الى دول عربية مجاورة للاردن.
السؤال المهم الذي طرحته هنا، حول سبب نمو هذه الشبكات كل هذا الوقت، بحيث وجدنا انفسنا فجأة امام عالم سري معقد يرتبط بالمخدرات، وهذا يفرض اهمية المكافحة الفاعلة المتواصلة، حتى لا تنمو هذه الظواهر في الاردن، وتهدد أمنه الداخلي بكل ما تعنيه الكلمة.
ارتباط الجرائم بالمخدرات، امر معروف، حتى في الاحصائيات الرسمية، إذ إن بعض الجرائم البشعة يرتكبها مدمنون، وهذا يعني ان تأثير المخدرات خطير جدا، على الامن الداخلي.
الخطورة في عالم المخدرات ان الشبكات قد ترتبط بأناس لا يتم جلبهم او ذكرهم، كون اعضاء هذه العصابات لا يكشفون هذه الاسماء، حماية لها، وهذا امر معروف في عالم المخدرات، والمراهنة هنا كبيرة على قدرة الامن العام، بالوصول الى الرؤوس الكبيرة الاساسية التي تدير عالم المخدرات في الاردن، وعبر الحدود، وبدون الوصول اليها، سيعود هؤلاء بعد فترة كمون، الى نشاطاتهم الاجرامية، وكل همهم يرتبط بتعويض خسائرهم، او الحصول على ارباح اضافية.
إن أخطر ما تواجهه العائلات هي تسلل المخدرات الى الابناء في المدارس او الجامعات او الاسواق، او عبر رفاق السوء، بما يجعل مراقبة الاهل للابناء، تتضاعف اهميتها، في زمن يتشاغل الأب بكل شيء عدا عائلته، وتعيش الأم بعيدا عن واقع الابناء وما يفعلونه خارج البيوت، دون أن ننكر هنا أننا بحاجة إلى حملة للعائلات لمساعدتها على التعامل مع هكذا أوضاع، إذا استجدت عليهم، على أساس وجود توجيهات محددة لعلاج الأبناء، دون خوف من العواقب في هذه الحالة.
كنا نعنقد سابقا، أن المخدرات تتوفر للأغنياء فقط، لكن الحاصل أن المخدرات موجودة في كل المناطق الفقيرة، وبأسعار منخفضة جدا، وحين يجتمع الفقر مع الإدمان، تأتي الجريمة نتيجة طبيعية لهذه الثنائية التي تهدد سلامة أي بلد، وأي مجتمع، في هذا العصر بالذات.

التعليقات مغلقة.